في الحديث عن العولمة لا يخفي كثير من الأوروبيين والغربيين عامة دهشتهم من تخوف كثيرين من العرب وأمثالهم من أمم الشرق من واقع العولمة.
في رأيهم تسير العولمة في كل الاتجاهات، وليس فقط كسيل عارم من الغزو الثقافي الغربي مدعوما بالتكنولوجيا، ووسائل الإعلام، والقوة الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية القاهرة باتجاه الشرق.
يقولون، من بين ما يقولون، إنك لو سرتَ في شوارع أية مدينة أوروبية أو أمريكية فإنك ستجد مطاعم تعرض أطعمة عربية وشرقية مثل الفلافل والشاورمة، والكباب التركي، والسوشي الياباني.
هذه أيضا من مظاهر العولمة فهذه الأطعمة لم تكن معروفة في الغرب قبل ثلاثين سنة، وجاءت إلى هنا بفضل العولمة.
لماذا إذن أنتم متخوفون؟ يسألون الشرقيين. لماذا تخشون من دخول الهولوين والفالنتاين في قائمة أعيادكم؟ لماذا تخافون من دخول “يوم الجمعة السوداء” إلى تقاليد أسواقكم؟
نحن لا نخاف من غزو الفلافل والشاورمة لقائمة مأكولاتنا، بل نقدم على تذوقها بفضول كبير، نجربها على الأقل.
بل وإن كثيرين من الشرقيين الذين لا يجدون عملا في دول الغرب يمكنهم فتح مطاعم شرقية، والعيش من بيع الفلافل.
ويسألون أيضا: أليس أفضل لكم الاحتفال على الطريقة الأمريكية بيوم الجمعة السوداء واقتناء البضائع بأسعار مخفضة بدلا من إحياء ذكرى “الثلاثاء الأسود” و”الأربعاء الأسود” حيث تبلغ الأرواح التي تحصدها التفجيرات الإرهابية في مدنكم في مثل تلك الأيام أرقاما قياسية جديدة؟
بلى والله، نقول لهم، ولكن أنتم مخطئون في الحديث عن الفلافل والشاورمة وحدهما، فنحن، أقصد العرب والمسلمون، نساهم في صنع العالم المعولم بأكثر بكثير من مجرد مطاعم الفلافل، والشاورمة، والكباب، والحمص والتبولة.
نحن أيضا لا نخاف من العولمة مع أننا ننفر من الاحتفال بيوم الحب، ونفضل عليه البكاء والنحيب على أيامنا الخوالي حين كنا نحن من يعولم العالم، ويتذوق أطباق الشعوب الأخرى.
وأيامنا التي نحن منهمكون على مدار السنة في إحياء ذكراها فاق عددها عدد أيام السنة نفسها. نحن نصنع أيامنا السوداء بأنفسنا، ولا نستوردها.
العولمة! هل نحن حقا لا نساهم فيها بغير أطباق الطعام؟ وهل يا ترى سنواصل ذلك حتى يأتي يوم نتحول فيه، من فرط إعجابنا بها، إلى مسحوق لإعداد عجينة الفلافل، أو نتحول فيه بأنفسنا إلى شاورمة تتذوقها حتى وحوش البراري في غابات أوروبا وأمريكا الشمالية؟
نحن بحاجة إلى الحديث عن العولمة، ومحاسنها ومصائبها، وحقائقها وأكاذيبها، وواقعها ومستقبلها، وعن إسهاماتنا فيها، وعن نصيبنا منها .. ربما في جلسة سمر على وجبة شهية من كبة الموصل أو الكبة النيئة وصفة حلب!