إنتظروا !
أحمد حسين
يقول ما تبقى من عقلي كعربي :
أكبر حرب خاضها البشر دفاعا عن وجودهم الشامل هي التي تدور رحاها الآن في المنطقة الي يسكنها العرب حصرا .
أقول هذا ليس لأني أريده أو أتخيله ، بل لأن ما تبقى من عقلي عاجز عن التحليل والتعامل مع الغموض الذي يقولون أنه يلف الواقعة .
أبحث عن الغموض فلا أجده . ولكي يكتشف العقل حالات الغموض عليه أولا أن يحدد ساحة الواقعة وهوية الأطراف وطبيعة الأهداف ، ثم ينظر في السياق الميداني للوقائع إذا كان يلائم منطق الأهداف التي يعلنها كل طرف .
فإذا تعارضت الوقائع مع منطق الحاجات التي تستدعيها الأهداف المعلنة فهذا يستدعي العقل التحليلي إلى العمل ليكتشف سر انعدام التوافق بين الهدف وسياق الفعل .
وعندما يكون انعدام التوافق من الغرابة بحيث تتخطى الفداحة فيه عقل المنطق أو منطق العقل ، فيجب تجاوز التحليل إلى التركيب ، وترك العنان للعقل المدهوش ليقوم بالبحث عن الهدف الذي يلائم الفعل . إذا كانت الصهيومريكية تريد الهيمنة على قطر واحتلالها مثلا ، فلماذا تستعمل صواريخ كروز واليورانيوم المنضب ، وبأمكانها تنفيذ عملية الإحتلال بزورق حربي صغير ؟ سيقول العقل بدون تردد لأن الصهيومريكية لا تريد احتلال قطر . تريد مسحها من الوجود . في هذه الحالة يعتبر اللجوء إلى التحليل ، مثل إقامة علاقة جنسية مع سيارة .
لقد محت الصهيومريكية قطر من الوجود متعمدة فماذا ستحلل . هل ستقول لماذا يريدون محو قطر . ماذا سيفيد هذا تلك الدولة القادمة بعد قطر ؟ وحينما هاجم العالم الصهيومريكي العراق واحتلها لماذا دمرها ونهبها وفكفك كل بناها الإجتماعية والسياسية والعلمية والثقافية والإنسانية وسمم أجيالها باليورانيوم إلى مئات السنين القادمة ؟
ثم لغمها بالصراعات التصفوية وخرج منها وأرسل إليها أغرب جيش في تاريخ البشر مكون من القتل الخالص ، والتدمير الخالص ، والإرهاب الخالص المعد ، كما تقول الوقائع ، خصيصا لذبح العرب بدون تمييز وتدمير كل بناهم الوجودية .
سوريا دولة صغيرة ذات كيانية عصرية واضحة المعالم ، قياسا على كل ما حولها من كيانيات عربية ارتجالية بدون تاريخ سوى الغرابة . معظمها زرائب عمالة وكيانات مدبرة لتقديم الخدمات للغرباء فقط .
ملوك وأمراء بدرجة غفر لا يحكمون سوى مواطنيهم . أتى الربيع العربي فتجاهل دول الخليج والأردن ومملكة المروك المجهولة الهوية ، وحط في ليبيا وتونس ومصر وسوريا .أي في دول المعاصرة النسبية . وسقطت ليبيا في يد التصفية الجذرية والحل النهائي ، ولم ينفع مصر انضمامها إلى" الليبرالية " الخليجية والسعودية فظلت تحت طائلة التدمير ، لأن الفوضى البناءة هي أخف بنود التصفية التي يمكن منحها للدول العربية الصديقة للصهيومريكية .
أما تونس فهي قطر ثانية من حيث التوظيف ولكن يبدو أن فيها " حراك اجتماعي " يستوجب الحذر . أما سوريا فهي لؤلؤة المذبحة .
وإذا استثنينا بعض الدول القائمة خارج المعالجة المرحلية النشطة للصهيومريكية فإن كل دول العالم تشارك بشكل أو بآخر في الحرب على سوريا ، ولم يبق سلاح متقدم يليق " بالثوار " لم يدخل إلى الجسد السوري.
لقد وُضعت سوريا على المقصلة قيد الذبح ، ونجت حتى الآن من الموت لأنها حملت على كاهلها الموت كخيار أخير وتقدمت به نحو المواجهة .
ولو خيرت سوريا بين أن تحارب معركتها أو معركة العالم الديوث لاختارت معركتها، ولكن الملابسة الجهنمية للصهيومريكية سيدة العالم والتاريخ ، وعدوة العالم والتاريخ والإنسانية ، حملتها لواء الضد العفوي لدمار العالم وشعوبه.
وقد ترجم هذا من جانب الصهيومريكية إلى اعتبار سقوط سوريا مكافئا لانتصار استراتيجتها العالمية ، والعكس بالعكس , فماذا أمامها سوي أن تعجن تراب سوريا بدم السوريين كي لا تصبح تجربتها في الصمود ، خيارا ممكنا ونموذجا لغيرها من شعوب العالم التي تتلوها وشعوبه التي ستختم المذبحة ؟
هذا كلام كبير ! ولكن الوقائع أكبر منه في بلاد الإنتهاك الأسطوري العربية . ودعونا حاليا من شعوب العالم الأخري ، فرغم أن حرب الفجائع الجارية هي على الشعوب حصرا ، وليس على نخبها المضحكة كما وكيفا ، إلا أن على التاريخ الجديد أن يبدأ منذ الآن في فكفكة هياكل التاريخ الإجتماعي القديم ، وأعشاشه الحاضنة ، أي الشعوب المتخلفة.
وبذلك حينما يأتي دور الشعوب التي تأكل الكافيار ، وتقرأ كتب الحداثة , وتمجد حقوق المثليين وحق الرجل في الحمل من زوجه الشرعي ، لتعلن استسلامها لاستعباد النخبة الصهيومريكية ، ستكون تلك الشعوب في قمة الغيبوبة الحداثية . ستستوعب هامشية البشر العاديين في السلسلة البيولوجية أمام أهمية الجدوى .
ما يهمنا الآن هو أن العرب منطقيا يجب أن يكونوا نقطة البداية لأهليات متوفرة خاصة بهم على صعيد التخلف وتفاهة الوجود النوعي وانخفاض الجدوى بجميع حسلبات الناتج المادي والمعنوي . إنهم مهيأون ليكونوا النموذح المثالي لاستدخال عادية المذبحة البشرية المليونية في العقل الحداثي .
وهم من ناحية أخرى ركام حضاري ميت ولكنه يلح على الذاكرة المؤنسنة ويجب محوه تماما منها . يجب إعطاء النخبة المعولمة مواصفات بحثية تقوم على تصدي الحداثة لبقايا الوعي التاريخي الأحمق ، الذي وقف حائلا دون استقرار الحياة السهلة للبشر ، بسبب انشغاله بالأوهام الكاذبة حول السمو البيويوجي وبالتالي السوسيولوجي للإنسان .
بعد هذا ، هل هناك من العرب من يعتقد أن الصهيومريكية تذبحهم ببساطة ذبح الدجاج مع إهمال قضية الجدوى بين الحالتين ؟ وهل الصهيومريكية بحاجة إلى ذبح العرب لتحتل بلادهم المحتلة بعمق آبار النفط ؟
وهل لديها وسائل أقل هدرا للدم تستثني ذبح الأطفال والنساء بهذا الإسراف الحاصل ، للوصول لأهدافها الإحتلالية ؟ هل تقوم بضرب العالم العربي بالقنابل النووية المقسطة . كم قنبلة ذرية تحتاج الصهيومريكية لتحدث الدمار الذي أحدثته في العراق ولتعدم الملايين الذين أعدمتهم وتعدمهم اليوم وحتى إشعار آخر ؟ كم قنبلة تحتاج لمثل ذلك في سوريا . هل ما يفعلونه في سوريا والعراق يتجاوز حاجة الموت ؟
هل هذا كلام ديماغوغي ؟ لا تهتموا به إذن . هل أنتم خائفون ؟ هل نساؤكم وأطفالكم خائفون ؟ لا تخافوا . لا موجب للخوف ما دام الموت موجودا . ألموت يغلق كل الملفات حتى تقطيعا بالسواطير . يا لشجاعتكم ! يا لشجاعة نسائكم وأطفالكم ! لقد وصلت المذبحة إلى اليمن . وثقوا أنها ستصلكم قريبا .
أحفروا قبوركم إذا قيض لكم أن تقبروا . إهدأوا مؤقتا ومارسوا الأكل والجنس بنهم . هذا حقكم البيولوجي . دعوا سلمان والسيسي والسبسي والعبادي والمعصوم وتميم وعبدالله يدبرون الأمور بهدوء وروية ويقررون مصائركم كما أُمروا.
وفي أثناء ذلك ادعوا للشهداء في سوريا والعراق بالرحمة , خاصة على الشاشات ، وانتظروا . انتظروا ، حتى ينتهوا من سوريا والعراق ويتفرغوا لكم ويأتون للتكبير على نسائكم . سيذهبون أول ما يذهبون إلى الجامعات حيث اعتاد سلمان والعائلة السعودية والخليجيون اختيار محظياتهم وجواريهم وسكرتيراتهم وقواديهم . لا تصدقوا هذا الكلام الفارغ ……. ولكن حتى لو صدقتموه فهل في أيديكم ما تفعلونه ؟ هل ستذهبون إلى سوريا ولبنان والعراق واليمن وتقاتلونهم بعيدا عن أطفالكم ونسائكم ؟ هل ستثورون قبل أن يأمركم الفقهاء والعملاء بالثورة ليستدعوا الربيع العربي وداعش ؟ لن تفعلوا هذا . ستنتظرون إلى أن يأتوا .
إنتظروا ! ولكن سترون وتفرحون بالموت . ستظنون أنكم شهداء . يا لغبائكم . الشهيد من واجه الخطر طائعا ليحمي غيره وأدركه القتل ، وليس من أدركه الذبح وهوهارب من الموت . الشهيد من قتل وهو يدافع عن أطفاله وأطفال شعبه وعن شرفه وإنسانيته وشرف وإنسانية غيره أيضا . الشهداء هم السوريون الذين يحاربون دفاعا عن أنفسهم وعنكم للأسف الشديد .
هم اليمنيون الذين اختاروا مثل السوريين الطريق الصعب ، لأنهم عرفوا أن الخضوع للصهيومريكية هو الموت المجاني لهم ولكل عربي حتى لو تصهين وتأمرك . الشهادة صفقة مع الله . حتى العراقيين والليبيين الذين يقاتلون داعش ليسوا شهداء .
إنهم يقاتلون تحت ألوية قاتلي العراق وليبيا وقاتلي أطفال العراق وأطفال ليبيا ومنتهكي أعراض العراقيات والليبيات . كل ألوية العمالة التي ارتفعت في العراق ما تزال مرفوعة .
ولن ينتصر العراقي أو يعيش أو يموت شهيدا ما دام يحارب تحت لواء العبادي أو المالكي أو علاوي أو معصوم أو السيستاني أو عملاء السعودية أو تحت ألوية الطائفية .
الإستشهاد صفقة مع الله فقط . ولكن سيظل معظم العرب المسلمين يعتقدون أن صفقة الشهادة هي صفقة طائفية أو سياسية . هكذا يجزم الفقهاء والعلماء .
2015-05-28