قفزة ترامب بلا جنود!
مهدى مصطفى
يبدو الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، كأنه خرج توا من وادى السيليكون، لا ينتمى للتاريخ الأمريكى، والتاريخ القصير بالطبع، ولا يشبه أى رئيس منذ جورج واشنطن، وأى مقارنة بالآخرين مصيرها العدم.
بخطة صغيرة من 28 سطرا، فتح ترامب فصلا جديدا فى التاريخ، خطة توقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تعيد إلى روسيا أراضيها منذ عهد القياصرة القدامى، وتحول أوكرانيا إلى فراغ بين الروس والأوروبيين، الذين كثيرا ما رغبوا فى الوصول إلى أرض القياصرة الشاسعة، قليلة السكان، غنية الموارد.
ثمة من يرى أن أوكرانيا ستصبح ورشة عالمية تتقاسمها أمريكا وروسيا معا، بينما تظل أوروبا محصورة فى حدودها العجوز.
ينظر البعض إلى ترامب مندهشا، كأن لديه شريحة إلكترونية فى رأسه الغامض، أليس ترامب صديقا لإيلون ماسك؟ فغالبا ما يفاجئ الجميع بموقف من خارج الصندوق.
يهاجم سلسلة الرؤساء الأمريكيين السابقين، يخالف مساراتهم، لا يؤمن بما ارتكبوه، وما ارتكبوه يحتاج إلى تريليون صفحة بيضاء.
خلال قرنين ونصف القرن، تحولت أمريكا من أرض الأحلام إلى قوة تحتل أراضى الآخرين، خاضت أكثر من خمسين حربا، بعضها طويل استمر عشرين عاما أو أكثر مثل فيتنام، أفغانستان، العراق، وبعضها خاطف، تمثل فى انقلابات سرية أو ثورات ملونة، كاد العالم يتعامل مع هذه المحنة كقدر.
ما الذى يدور فى ذهن ترامب حقا؟
من خلال خطاباته قبل وأثناء وبعد الانتخابات الرئاسية، هاجم نتائج الحرب العالمية الثانية، وانتقد أوروبا، ورفض الثورات الملونة، واستدعى رجال الوكالات الأمريكية السرية من الخارج، وأعاد هندسة المؤسسات العميقة فى الداخل، وكسر هيمنة القوى التقليدية التى كانت تعرقل موقع الرئيس، وأحال مراكز الأبحاث للتقاعد، وجلب رفاقه من عالم المقاولات ولعبة الجولف لمساعدته فى تنفيذ أفكاره المفاجئة الرهيبة.
هذا على الأقل ما نراه فى الظاهر، أما فى الخفاء، فهو قد يشن حروبا جديدة، يعيد من خلالها رسم الجغرافيا على مقاس الإمبراطورية الأمريكية الجديدة.
فى المسألة الأوكرانية، يعلم ترامب أن روسيا كانت تحت مقصلة المخططات الغربية، وتعرضت لهجمات أتباع بانديرا، وعانت من غزوات سابقة لنابليون وهتلر فى السابق، ومن محاولات تقسيمها عبر تمكين الحكم الذاتى للأقليات، وقد اعترف جورباتشوف فى لحظة نادرة أنه لم يقصد تفكيك الاتحاد السوفيتي.
تبدو صورة ترامب فى الإعلام الأوروبى غامضة، فهو من فرض عليهم رسوما جمركية، وأجبرهم على تعزيز قدراتهم العسكرية للدفاع عن أنفسهم بأنفسهم، وهو يعرف أن القارة العجوز تعيش على ماض تليد لن يعود، وقد يفاجئ الجميع بخطوة إستراتيجية تقلب موازين القوى العالمية.
ترامب لم يكن بقادر على التحرك إلى أوراسيا، لو لم يكن الشرق الأوسط تكسر وتمزق، فعند النظر إلى الخريطة العربية، يتضح أن المنطقة كانت مسرح العمليات الكبرى، حتى تهشمت على مدى ربع القرن الأخير منذ أحداث 11 سبتمبر، وهى أحداث غامضة شكلت المزاج الأمريكي، وأعطت القضية الإسرائيلية أبعادا توسعية، وجعلت نتنياهو بنزيون يطالب بحقوق تاريخية فى الأراضى العربية، أخاف بها أوروبا وأمريكا، وعكر بها مزاج الغرب الذى تعاطى مع المسالة اليهودية على مدى ألفى عام.
ترامب، الذى يبدو قادما من وادى السيلكون يقود غزوا هائلا بلا جنود، لا يختلف فيه عن أحلام نابليون أو جنكيز خان، وتصريحات مبعوثيه عن غياب مفهوم الدولة فى الشرق الأوسط، وبعضهم يرحب، ويفضلها فلسفة جديدة تتفوق على فلسفة كانط.
عندما اتخذ ترامب قرارا بتجريم جماعة الإخوان فى أمريكا، ووصفها بالإرهابية، فاجأ حلفاءه الذين صاغوها منذ لقاء روزفلت وسعيد رمضان الغامض قبل 80 عاما، ليكتشفوا أن مساره قد ينحرف فى أى لحظة.
استعدوا، واربطوا الأحزمة، ترامب يكتب فصلا جديدا من كتاب، ألفته جماعة وادى السيلكون
2025-11-27