متى يبدأ الهجوم ؟
هاني عرفات
الحديث هنا عن بدء العمليات الهجومية، كون أميركا عملياً منخرطة في هذه الحرب منذ اليوم الأول ، هذا ليس سراً ، فقد صرح بذلك أكثر من مسؤول أميركي، و إن كان الحديث دائماً ، يتعلق بالمشاركة في الجهود الدفاعية.
ورغم الشراكة الكاملة في الحرب، إلا أن موضوع اتخاذ قرار البدء بعمليات هجومية ، من قبل الولايات المتحدة الأميركية، ليس قدراً محتوماً ، ويخضع لعدة عوامل بتقديري ، وهذا ما سوف أتطرق له لاحقاً.
بداية يجب فهم أسباب الحرب ، أو على الأقل السبب الرئيسي ، حتى نستطيع استخلاص أهدافها، أعتقد أنه بات معروفاً الان ، أن الموضوع النووي ليس إلا فزاعة فقط، فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً ، و نتنياهو يصرخ بأن ايران تحتاج إلى أيام أو أسابيع على أبعد تقدير ، للحصول على قنبلة نووية ، لو كان الأمر كما يدعون ، لكانت إيران قد امتلكت قنبلتها منذ عقود ، ولما كنا أمام هذه الحرب اليوم.
السبب الرئيسي والحقيقي للحرب، يتمثل في أن الجمهورية الإسلامية ، تقف حجر عثرة أمام الإخضاع الكامل للمنطقة ، هذا ما يريده نتنياهو وقوى الهيمنة العالمية التي تقف خلفه.
نعم لا يمكن إنكار أن هناك أهداف خاصة تتعلق بنتنياهو ، و بالوضع الداخلي الإسرائيلي، وعدم قدرته على حسم الأمور في غزة بالطريقة التي يريد . لكن خوض حرب بهذا الحجم و بهذه الخطورة، لا تشن فقط حسب رغبة أو هوس شخص مهما كان تأثيره أو حجمه.
هذه حرب تحتاج إلى توافقات كونية ، وإلى إعداد و تحضير، و دراسة الاحتمالات ، و تحريك قوات و عمليات استخبارية ..الخ.
إذن هدف الحرب هو إخضاع إيران ، إما من خلال استسلام كامل ، ومن ثمّ الالتحاق بركب الأنظمة الأخرى الخاضعة في المنطقة، وإما ببساطة إسقاط النظام.
لذلك ليس مهماً ، ما تسوقه ايران من أدلة و براهين و تأكيدات، عن أنها لا تسعى لامتلاك سلاح نووي،هم يعلمون تماماً أن هذه الادعاءات كاذبة ، لأنهم هم من صنعها اساساً بغرض التضليل.
وإذا كان موضوع أسلحة الدمار الشامل، هو حقيقة ما يؤرق هؤلاء، لا سيما منافقو الاتحاد الأوروبي، لكان من الأحرى بهم أن يقلقوا من ترسانة إسرائيل النووية، في إقليم متقلب و يغلي على صفيح ساخن مثل الشرق الأوسط، منذ أن قرع العالم النووي الإسرائيلي مردخاي فعنونو ، ناقوس الخطر ، عندما كشف عن البرنامج النووي الإسرائيلي من داخل المؤسسة، لصحيفة بريطانية في العام ١٩٨٦م، أي قيل أربعين عاماً ، حيث تم استدراجه و خطفه بعد هذه التصريحات، من قبل المخابرات الاسرائيلية، تمهيداً لمحاكمته ومن ثم سجنه.
لتحقيق الهدف الرئيسي للحرب ، يتوجب بداية وضع أقصى الضغوط على الحكومة الإيرانية ، و التلويح بقوة غاشمة ، وهذا ما تفعله عملياً ، التسريبات المتكررة ، لتحشيد الأساطيل ، و تحركات أسراب القاذفات العملاقة ، كل ذلك بالموازاة مع ضغط ناري جوي إسرائيلي.
في حال فشلت هذه الحرب بشكلها الحالي في تطويع إيران، تكون الاستعدادات العسكرية اكتملت للمشاركة الأميركية المباشرة في العمليات الهجومية ، ولكن قبل أن يبدأ ذلك ، سوف تقوم أميركا بإجراء تقييم للموقف بناءً على العوامل التالية:
تقييم حجم الضرر المتوقع من الرد الإيراني،حال تعرضت ايران لهجوم أميركي مباشر ، على القواعد والقطاعات العسكرية والمصالح الاميركية في المنطقة ، لذلك من غير المرجح البدء بهجوم كهذا ، قبل التأكد من قيام إسرائيل بضرب الامكانات الهجومية الإيرانية ، أو على الاقل أغلبها، طبعاً إذا ما تسنى لها ذلك ، وحتى هذه اللحظة ، لا يبدو أن هذا الهدف قد تحقق ، رغم مرور ثمانية أيام على بدء العدوان.
تماسك نظام الحكم في إيران ، و حجم التأييد الشعبي له ، وكما يبدو حتى الآن ،و رغم المحاولات المتكررة ، لخلخلة أركان الحكم ، سواءً من خلال استهداف قادته، أو من خلال تحريك العملاء الداخليين ، فإن حجم التأييد الداخلي واتفاق الإيرانيين على مواجهة العدوان، يبدو غير مسبوق، خصوصاً بعد إعلان اغلب قوى المعارضة الوقوف إلى جانب بلدهم دون مواربة، باستثناء عدد قليل ممن يعملون أصلاً لصالح جهات استخبارية غربية.
لا شك أن أحد أهم العوامل التي قد تكون مقررة في توسع الحرب، هو الموقف النهائي لكل من الصين و روسيا و باكستان، و رغم عدم ترجيحي لموقف حاسم من هذه الدول بالذات ، نظراً للتجربة التاريخية في ظروف سابقة مشابهة ، إلا أن هذه المرة قد تحتمل مقاربة مختلفة ، ربما لأن إيران قد تكون القلعة الأخيرة على الطريق ، قبل ان تصل النار إلى عتبات بيوتهم.
مسارات الملاحة والتجارة، عبر مضيق هرمز و بحر العرب وباب المندب، لا يمكن تخيل أن تقدم أي دولة لها مصالح تجارية عالمية ، على خوض حرب شاملة ، دون أخذ هذا الموضوع على محمل الجد، خصوصاً إذا كنا نتحدث عن حرب قد تطول.
اكثر الدول تضرراً بعد الدول المشاركة بشكل مباشر في المعركة ، هي الدول الخليجية، وخصوصاً أنها في مرمى النيران الإيرانية ، ولديها الكثير الكثير لتخسره ، نحن جميعاً نذكر ما فعلت صواريخ الحوثيين ، منذ زمن ليس بالبعيد، وإذا كان لهذه الدول رأي فيما يجري ، فعلى الأرجح أنها سوف تضغط باتجاه عدم تصعيد الحرب ، على الاقل حتى يتم تحييد الخطر إن أمكن.
لا يمكن استبعاد دور الرأي العام ، في الولايات المتحدة وأوروبا، في التأثير على القرار ، رغم أن التجربة علمتنا أن المؤسسات الحاكمة ، لا تعير كثير انتباه لذلك ، النافذة الوحيدة في هذا المجال ، هو الانقسام في الرأي حول موضوع الحرب ، الحاصل في قاعدة الرئيس الأميركي الانتخابية، هذا أمر غير مسبوق ، غير مجرب ، ومن الصعب التكهن بقدرة هذه القاعدة في التأثير على قرار الرئيس.
قدرة إسرائيل على تحمل الضغط العسكري الإيراني،و في حال شعرت الادارة بأن المعادلة العسكرية ، لا تسير وفق ما تشتهيه آلة الحرب الاسرائيلية ، فإن هذا قد يدفع باتجاه استعجال دخول الحرب لانقاذها، رغم الخسائر المتوقعة.
بطبيعة الحال ، هذا كله سوف يعتمد، على قدرة إيران الحفاظ على مقدراتها الدفاعية والهجومية، كلما طالت المعركة ، كان هذا لصالح إيران دون ادنى شك.
الصورة للعالم النووي الاسرائيلي مردخاي فعنونو
2025-06-22