هل انتصر الاشرار؟
هاني عرفات
سوف أختصر قدر المستطاع ، حفاظاًعلى وقتكم الثمين ، و حفاظاً على ما تبقى عندي من بصر ، و لأني أخط هذا على جهاز هاتفي النقال ، بعد أن تعطل حاسوبي الصغير ، الذي ربما إنفجر غضباً و كمداً على هذا الحال الذي وصلنا اليه.
على أي حال..
يبدو أن الاشرار ينتصرون في الوقت الحالي، فهم يأبون أن يأخذوا حصتهم من دمنا و ينصرفوا ، الدماء تسيل على الرمال في كل مكان، وهم يتبادلون الابتسامات والانخاب و يجزلون العطاء للدهماء.
بعضهم يريد للفلسطينيين أن يقاتلوا حتى آخر طفل فلسطيني، و يدفعون المال للطرف الاخر ليستمر في القتل.
والبعض المتبقي يريد أن يتخلى الفلسطينيون عن آخر ذرة من تراب ، و آخر ذرةٍ من كرامة و يجزلون العطاء للآخرين أيضاً ليستكملوا القتل.
وجميعهم يريدون أن يصدقهم الفلسطينيون بأنهم أخوتهم حتى النهاية، هل هذا ممكن؟
كيف يمكن أن لا تجدي تريليونات الدولارات في ادخال كسرة خبز يابسة لطفل محاصر في غزة؟
الأمر الأكثر غرابة هو أن من يبيع من العرب هو من يدفع الثمن أيضاً ، بعكس قوانين البيع والشراء .
الرئيس الاميركي المغتبط بما أنجز ، قال قبل مغادرته المنطقة: سوف تسمعون أخباراً جيدة خلال اسبوعين او ثلاثة.
على الاغلب ، هذا ما طلبه نتنياهو، مهلةً أخرى لاسبوعين او ثلاثة، حتى تستكمل مركبات جدعون دهس من تبقى من أهل غزة، في طريقه لتحقيق ( النصر المطلق).
هكذا استمرت المذبحة طوال السنة والنصف الماضية ، مهلةً تظل تمدد لأسبوعين او ثلاثة و يستمر الذبح.
ليست فلسطين وحدها التي تذبح ، فقد سبقها العراق و اليمن و ليبيا و الان سوريا أيضاً، سوريا الذي استدعي رئيسها الجديد على عجل ، لتقديم فروض الطاعة و لاستقبال الشروط ، و لم يقل له أحد كيف سوف تخرج اسرائيل من الاراضي السورية المحتلة حديثاً ، أما الجولان فقد ابتلعه الحوت إلى الأبد.
عندما ثار السوريون على نظامهم ، لم يثوروا لأن النظام السابق منعهم عن تأدية الفرائض والعبادات، و لم يثوروا انتقاماً لبني أمية ، على حد علمي، قالوا أنهم يريدون الحرية والكرامة ، أين هي الحرية والكرامة الان ؟ أين الانتخابات الحرة؟ كيف يمكن أن يحصل المواطن على حريته وكرامته وقد احتل ثلثه ، و دمر جيشه كله عن بكرة أبيه، ثم يحتفلون حتى الثمالة برفع العقوبات التي ساهمت هذه الثورة ذاتها يفرضها ، وقد أصبحت اليوم مطلباً يجب الانصياع لشروط مذلة مقابل رفعها جزئياً..
لقد انتصر الاشرار حالياً أو يكادون…
لقد صدق الشاعر الكبير مظفر النواب حينما تنبأ ، بأنه سوف يأتي يوم تقرأ فيه الفاتحة في الجامع الاموي بالعبرية الفصحى.
لقد هزم العرب ، و من تبقى منهم واقفاً ، فإنه يقاتل بالدم والجراح.
ألا لعنة الله على المتخاذلين و المتآمرين و المحايدين و المنافقين .
لقد هزم الذين آمنوا بأنهم هزموا، أما الآخرون فعليهم تغيير الأحصنة و العربة إذا أرادوا البقاء.
2025-05-19
تعليق واحد
هذا تعليقي على مقال هاني عرفات ” هل انتصر الاشرار ”
د.غانية ملحيس
سؤالك موجع لأنه لأنه واقعيا ، ويعبّر عن شعور غامر بأننا نعيش في مرحلة نادرة من التوحش المنظم والانكشاف الكامل لعجزنا الجمعي.
لكن الاعتراف بمرارة الواقع، رغم ضرورته، لا يكفي. بل لا بد من توسيع الفكرة: لماذا انتصروا؟ كيف؟ وعلى من؟ وماذا يعني هذا النصر؟ وهل هو نهائي أم مشروط بزمن قابل للانقلاب؟
لم ينتصر الأشرار لأنهم أكثر ذكاء، بل لأننا – نحن أبناء قضايا الحرية – لم ننجح في تحويل عدالة قضايا الشعوب إلى بنية سياسية قادرة على الفعل.
انتصروا لأننا عشنا دهورا ننتظر أن “تتحرك الجماهير” دون أن نبني أدوات تحريكها. لأننا اكتفينا بالتشخيص الأخلاقي للواقع (خيانة، تخاذل، نفاق)، بينما هم شيدوا تحالفات القوة، واستثمروا في الإعلام والسلاح والمعرفة، وقسمونا إلى شعوب تقاتل بلا أفق، أو تنتحر تحت رايات طائفية، أو تصفق لمستعمرها.
هزم الذين آمنوا أنهم هزموا، كما قلت. وهذه جملة يجب ألا تمر مرور الكرام، لأن كثيرا من “الهزيمة” التي نعيشها اليوم ليست مادية فقط، بل إدراكية ونفسية. حين يتم تسويق كل مقاومة على أنها عبث، وكل ثورة على أنها فوضى، وكل نكسة على أنها قدر، نكون أمام حرب على إرادة الحياة ذاتها.
فالوجع الفلسطيني لا يمكن فصله عن الخراب السوري، ولا عن الجرح العراقي، ولا عن الانهيار اللبناني، ولا عن الاستنزاف المصري. هذا التزامن ليس صدفة، بل جزء من بنية استعمارية جديدة، تدار بالتحكم بالحدود، وتمويل الانقسام، وتشريع الأنظمة الوظيفية، وتحويل الجغرافيا إلى ساحات تصريف للدم. نحن لا نعيش فشل قضية، بل لحظة إعادة هندسة المنطقة لتبقى بلا مشروع ولا محور.
نعم، الواقع دموي، لكنه ليس قدريا. يجب أن لا ننسى أن الأشرار لهم سجل طويل من الهزائم المؤجلة: لم تنجح أميركا في تحويل العراق إلى ديموقراطية وظيفية. ولم تنجح إسرائيل في إنهاء المقاومة رغم عشرين شهر من الابادة والتطهير العرقي والتدمير والتجويع والتعطيش. ولم تنجح إيران وروسيا في خلق نظام مستقر في سوريا.
العالم في أزمة، والنظام الدولي يفقد شرعيته، وهذا يفتح نوافذ – صغيرة ولكن حقيقية – للفعل.
الغضب مشروع ونبيل، لكنه يبقى ناقصا إن لم يترافق مع سؤال الفعل: ماذا نفعل؟ بأي أدوات؟ ومع من؟ المطلوب اليوم ليس شتم المتخاذلين فحسب ، بل بناء فضاء تحرري جديد، يتجاوز الثنائيات القاتلة (استبداد/استعمار، سنة/شيعة، ثورة/دولة)، ويستعيد الفكرة الأصلية: الشعوب تستحق الحياة.
والتأسيس للنصر يبداً بثلاثية الفعل
أولا: وضوح الرؤية – لا تحرير بلا فهم بنية السيطرة.ولا مقاومة بلا معرفة أدوات العدو
ثانيا: بناء الكتلة التاريخية فلا بد من التحام القاعدة الاجتماعية الثائرة بمشروع سياسي واضح، يتجاوز الولاءات الضيقة الطائفية والحزبية والتنظيمية والفصائلية
ثالثًا: تحويل الغضب إلى طاقة تنظيم – لا يكفي أن نغضب، بل ينبغي أن نؤطر الغضب، ونعيد بناء مفهوم “التحرر” من جديد، لا كحلم ماض، بل كحاجة راهنة للبقاء والكرامة.
وختاما، لم ينتصر الأشرار لأنهم لا يهزمون، بل لأننا لم ننجح بعد في صياغة جواب جماعي على سؤال الفعل.
فالهزيمة الكاملة تحدث فقط حين نصبح “محايدين” أو “واقعيين” أو “متفرجين”.
ونحن، رغم كل ما أصابنا ، ما نزال نحلم ونكتب ونقاتل بالكلمة والسؤال والإصرار.
د.غانية ملحيس