هل يحتل ترامب الغرب بالقوة؟
مصطفى السعيد*
تدرك الحكومات الغربية أنها مقبلة على كارثة لايمكن تجنبها، فالولايات المتحدة تئن من أزمة ديون هائلة تعدت 36 ترليون دولار، وتضخم متصاعد، وعجز حكومي سنوي يقترب من ترليوني دولار، مع تدني حاد في معدل النمو، أما أوروبا فلديها أزمات لا تقل خطورة، وتتساقط حكوماتها الواحدة تلو الأخرى بفعل الفشل في إيجاد مخرج من الأزمات الإقتصادية، ويكفي ما تعانيه ألمانيا التي تتعرض الآلاف من شركاتها ومصانعها للإفلاس والإغلاق، والتي كانت إلى وقت قريب قاطرة أوروبا الإقتصادية. أما الحال في فرنسا وبريطانيا فأكثر مأساوية. هنا يأتي طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المدهش والقاسي بتوحيد الدول الرأسمالية قسرا، إما تحت التهديد بالعقوبات ورفع الغطاء الأمني عنها، أو بالإحتلال العسكري، وقالها ترامب بوضوح، كندا ستصبح الولاية الأمريكية رقم 51، ونشر خريطة للولايات المتحدة وكندا كدولة موحدة، رغم تصريحات الرئيس الكندي الرافضة لما يطرحه ترامب، كما يصر الرئيس الأمريكي على ضم جزيرة جرين لاند التابعة للدانمارك، ويقول إنها مهمة للأمن القومي الأمريكي، وكأن هذا مبررا كافيا للإستيلاء على أراضي دولة أوروبية حليفة، وكذلك فعل مع بنما، وأعلن أن قناة بنما أمريكية، وأطلق على خليج المكسيك إسم الخليج الأمريكي، لترد عليه رئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم بتغيير إسم الولايات المتحدة إلى “أمريكا المكسيكية” في إشارة إلى أراضي المكسيك التي تحتلها الولايات المتحدة. لا يمكن اعتبار تصريحات الرئيس الأمريكي بأنها غير جادة، ومجرد ضجة إعلامية، خاصة عندما نجد وزير الكفاءة الحكومية إيلون ماسك يعلن أن على الولايات المتحدة تحرير الشعب البريطاني من حكومته، بل ويطالب ملك بريطانيا بإجراء إنتخابات تشريعية جديدة، تنقل الحكم إلى حزب الإصلاح، ويكرر ذلك مع ألمانيا ويعلن تأييد حزب البديل اليميني القومي، فهذه التصريحات المثيرة للفزع الأوروبي لا يمكن إدراجها في خانة إثارة الضجيج، بل علينا أن ننظر إليها كرؤية تستند إلى مبررات جادة من وجهة نظر الإدارة الأمريكية، والتي يبدو أنها تهدف إلى توحيد وإدماج الغرب إستعدادا لمواجهة “وجودية” مع الصين وحلفائها في مجموعة “بريكس”، قبل أن ينتقل مركز النظام العالمي إلى شرق آسيا لأول مرة، وتستاء إدارة ترامب من أن أوروبا تريد خوض حرب طويلة ومكلفة وبلا جدوى مع روسيا، وترى أن الحرب مع روسيا خاسرة وتهدر الطاقات، بينما الصين هي الخطر الأكبر، بما حققته من قفزات إقتصادية وتكنولوجية وأخيرا عسكرية، بينما ترى أوروبا أن العلاقة مع الصين يمكن أن تنقذ إقتصادها المتهاوي، بما تملكه الصين من قدرة على ضخ إستثمارات ضخمة إلى أوروبا، وفتح أسواقها أمام سلعها، والحصول على أجزاء من منتجاتها الضرورية لمصانعها بتكلفة أقل، هنا يختلف الطرفان الأمريكي والأوروبي حول أولويات المواجهة وأسلوبها.
من الواضح أن إدارة ترامب على قناعة بأن الغرب بكامله عليه مواجهة الطوفان القادم من شرق آسيا، “وإذا جاء الطوفان ضع ولدك تحت قدميك”، ولهذا ليس من المهم أن تقتنع دول أوروبا أو كندا والمكسيك وبنما بالخطوات الأمريكية لفرض وحدة قسرية على الغرب، لأن المهم هو تحقيق النصر على التنين الصيني، الذي بدأت قوته العسكرية في إظهار تفوقها، وكان إنتاج الصين لأول طائرتين من الجيل السادس علامة جديدة على مواصلة التطور العسكري السريع. والسؤال الذي يشغل العالم الآن هو هل بمقدور إدارة ترامب أن تحقق هذه الوحدة رغم أنف باقي دول الغرب؟ ولا يمكن أن نجد إجابة سهلة، فليس هناك وسيلة تمنع الولايات المتحدة من الإستيلاء على جزيرة جرين لاند من الدانمارك، وكذلك لا يمكن لكندا أن تتصدى للولايات المتحدة، أو تخوض معها حربا إقتصادية أو عسكرية، كما أن بنما الضعيفة لا يمكنها تحدي أمريكا، وفي المقابل فإن الإدارة الأمريكية لا تستطيع خوض صدامات في الداخل مع الحزب الديمقراطي والدولة العميقة، وفي نفس الوقت تدخل في مواجهة مع حلفائها الأوروبيين، وأن تتمكن أيضا من مجابهة الصين وروسيا وباقي مجموعة “البريكس”، فما يلوح به ترامب خطر على النظام العالمي، وستواجه الإدارة الأمريكية غضبا شعبيا حتى في الداخل الأمريكي، ورفضا أوروبيا يمكن أن يتحول إلى صدامات، وستكون الفرصة سانحة أمام الصين وروسيا للإجهاز على الهيمنة الأمريكية، فهل سيواصل ترامب مغامرته أم سيتراجع عند إدراكه وعورة الطريق وكثرة العوائق، ويذعن إلى موازين الواقع الجديد؟.
الأهرام
2025-01-13