مَن يفرض قواعد الاشتباك؟
سعادة مصطفى أرشيد*
هل كانت حرب الإبادة التي شنّها جيش الاحتلال ومن ورائه عالم الغرب وكثير من عالم العرب على غزة طيلة سنتين بالغة القسوة؟ وهي ليست إلا ردّ فعل واستجابة ضروريّة على ما قامت به المقاومة صبيحة السابع من تشرين الأول 2023. وهل هي كما يُصرّ الاحتلال في إعلانه وتبريره لهذه الحرب على أنها حرب للدفاع عن النفس ولأسباب وقائيّة من أجل حماية مستوطنات غلاف غزة التي تستهدفها صواريخ المقاومة، فقتلت حربه هذه ما قد يصل تعداد إلى 100 ألف فلسطيني ثلاثة أرباعهم من المدنيين والأطفال والنساء وكبار السن وهدمت كامل الحيّز الغزيّ وحوّلته إلى غبار غير صالح للحياة؟ وهل انتهت الحرب إثر إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن ذلك في قمة شرم الشيخ في العاشر من تشرين الأول الماضي أم أن الحرب لا زالت مستمرة، وأنها قد أخذت شكلاً شديداً وبالقسوة والضراوة ذاتهما؟ وكيف ومَن وضع قوائم المساعدات الإنسانيّة المسموح بدخولها لغزة خاصة أن بياناً قد صدر عن مكتب الأمم المتحدة لشؤون تنسيق المساعدات الإنسانية يقول إن قوات الاحتلال (الإسرائيلي) تعرقل دخول قوافل المساعدات لا بل إنها تمنع في أحيان كثيرة دخول أصناف غذائية وكذلك الأدوية واللوازم الطبية والخيم والوسائد والفرش بحجة أنها أصناف غير مدرجة في قوائم المساعدات المسموح بدخولها بموجب الاتفاق.
في حقيقة الأمر، إنّ الحرب المتواصلة على الشعب الفلسطيني هي مسألة كامنة في العقيدة السياسية لمجتمع الاحتلال ولمجموع الحكومات التي تشكلت في تل أبيب منذ عام 1948 والتي لطالما لجأت إليها كلما سمحت لها الظروف الإقليمية، وأخذت ضوءاً أخضر من شفعائها في الغرب، ومَن يراجع التاريخ القصير لدولة الاحتلال يستذكر ما جرى من مذابح وتهجير في عام 1948 على يد من أصبح اليوم رمزاً للاعتدال في هذا المجتمع العدواني (حزب العمل) وهذه الحروب مبرراتها الحقيقية هي طرد الفلسطيني من أرضه مقاتلاً كان أم مسالماً، وشطب المسألة الفلسطينية من التداول السياسي ثم الانقضاض على مزيد من الأرض في الجوار القومي، لذلك ما كان عليه إلا فتح الأدراج واستخراج الخرائط والخطط الجاهزة لحربه هذه، والعمل على تنفيذها عقب السابع من تشرين الأول 2023.
هكذا يمكن القول إن الحرب مستمرة، ولكن من جانب واحد وفق تكتيك جديد يشابه السيناريو المعمول به في لبنان، إذ أن دولة الاحتلال متواصلة في عدوانها الذي تجد له مبرّرات يوافقها عليه عالم منافق، فيما يرى هذا العالم المنافق أن أي ردّ من المقاومة على أنه خرق لاتفاق وقف إطلاق النار وها هو الاحتلال مستمرّ في عدوانه، ولكن براحة أكثر حيث لا يُضطر إلى إنزال جنوده على الأرض وتعريضهم لخطر الاشتباك المباشر، وإنما يقاتل من خلال القصف البحري والجوي والصاروخي، وقد استشهد جراء ذلك وفق إحصاء فلسطيني 260 مواطناً في الأيام العشرين الأولى لوقف إطلاق النار، أما في هذا الأسبوع فقد ارتفع منسوب التصعيد وذلك بسبب الغارات الكثيفة التي شنها طيران الاحتلال على شمال غزة ووسطها وأزهقت أرواح 21 شهيداً خمسة منهم قادة في المقاومة، وفق زعم الاحتلال.
هكذا يكون وقف إطلاق النار بالمفهوم (الإسرائيلي) إنْ في لبنان وإنْ في غزة، وهذه الخروق تأتي عقب تبني مجلس الأمن الخطة الأميركية التي سبق إعلانها في شرم الشيخ ومع ذلك لم نسمع شجباً أو نقداً لهذه الخروق (الإسرائيلية)، هذا الصمت الذي لا تفسير له إلا الرضا عن السلوك (الإسرائيلي) لا بل وتحريض على ارتكاب مزيد منه وبما يجعل من الصامتين في عالم الغرب أو عالم العرب شركاء في حرب الإبادة المتواصلة، ويبدو أن الإسرائيلي يعتمد في غزة أيضاً كما في لبنان على بنود غير معلنة تتيح له إعادة صياغة الإبادة ولكن تحت لافتة وقف إطلاق النار، بمعنى أوضح يشارك وحيداً في إعادة وضع قواعد الاشتباك.
واللبناني والفلسطيني ينتظران دخول المقاومة على خطوط المواجهة وفرض قواعد اشتباك مضادة لتلك التي يضعها الاحتلال.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة
2025-11-27