من داخل واشنطن:
لجنة جديدة تواجه النفوذ الإسرائيلي وتعيد طرح سؤال السيادة الأمريكية!
د. عبدالرحيم جاموس*
تشهد الساحة السياسية الأمريكية متغيرًا لافتًا مع تأسيس لجنة العمل السياسي المناهضة للصهيونية (AZAPAC)، وهي لجنة مسجّلة رسميًا تستهدف مواجهة النفوذ الإسرائيلي داخل المؤسسات التشريعية الأمريكية، عبر أدوات قانونية وانتخابية مباشرة.
ظهور هذه اللجنة يمثّل تطورًا غير مألوف في المشهد السياسي الأمريكي، خاصة في ظل التحالفات العميقة التي ربطت واشنطن وإسرائيل لعقود طويلة، وفي وقت تتصاعد فيه الانتقادات الداخلية للسياسات الإسرائيلية وارتداداتها على المصالح الأمريكية.
تقدّم AZAPAC نفسها باعتبارها حركة شعبية تستعيد سؤالًا جوهريًا: هل لا تزال السيادة الأمريكية خالصة للناخب الأمريكي أم أنها باتت رهينة لمراكز نفوذ صهيونية راسخة؟
ويؤكد القائمون عليها أن معركتهم ليست دينية ولا تستهدف اليهود، بل هي سياسية وأخلاقية ضد الصهيونية باعتبارها مشروعًا يوجّه القرار الأمريكي لمصلحة قوة أجنبية، على حساب دافع الضرائب والمصلحة الوطنية الأميركية.
وتتمحور مهمة اللجنة حول وقف المساعدات العسكرية والمالية لإسرائيل، وإعادة تقييم التعاون الأمني، ومواجهة النفوذ الواسع للوبيات المؤيدة لإسرائيل داخل الكونغرس.
كما تطالب بتطبيق القوانين الأمريكية الخاصة بتسجيل جماعات الضغط ذات الارتباطات الخارجية (FARA) على أي جهة تعمل لمصلحة دولة أجنبية، بما في ذلك بعض المنظمات التي تعمل بشكل معلن لصالح السياسات الإسرائيلية.
وتتميّز AZAPAC بأنها أول لجنة سياسية أمريكية تضع “مناهضة النفوذ الصهيوني” هدفًا مباشرًا لعملها، وتنفتح على دعم مرشحين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بشرط واحد:
رفض أموال اللوبيات المؤيدة لإسرائيل، وتبنّي موقف واضح ضد الدعم العسكري المفتوح ، وهذا النهج يعطيها قوة رمزية وسياسية، ويوفر أرضية لتحالفات غير تقليدية تتجاوز الانقسام الحزبي المعروف في واشنطن.
غير أن اللجنة تواجه تحديات حقيقية، أبرزها الفارق الكبير في الحجم والتمويل بينها وبين لوبيات كبرى مثل AIPAC التي تمتلك موارد مالية ضخمة وشبكات تأثير ممتدة.
كما أن المناخ السياسي الأمريكي لا يزال شديد الحساسية تجاه أي خطاب يُنتقد الصهيونية، ما يجعل AZAPAC عرضة لحملات تشويه واتهامات جاهزة بـ“معاداة السامية”، رغم تأكيدها الدائم على الطابع السياسي البحت لتحركها.
ومع ذلك، فإن ظهور AZAPAC يحمل دلالات لا ينبغي التقليل من شأنها ، فهو يعكس شعورًا متزايدًا داخل المجتمع الأمريكي — خصوصًا بعد حرب غزة وما أحدثته من صدمة أخلاقية — بأن استمرار الدعم غير المشروط لإسرائيل لم يعد أمرًا مسلمًا به، وأن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تحتاج إلى مراجعة جادة تُعيد الاعتبار للقيم الأمريكية نفسها قبل أي شيء آخر.
إن أهمية AZAPAC بالنسبة للقارئ العربي تكمن في أنها تمثل أحد المؤشرات المبكرة على تحول الخطاب الأمريكي الداخلي حول إسرائيل وفلسطين.
قد يكون تأثيرها المباشر محدودًا في الوقت الراهن، لكن قدرتها على طرح سؤال السيادة، وتحدي بنية نفوذ صهيوني مترسخ منذ عقود، يمنحها وزنًا سياسيًا وقيمة رمزية كبيرة.
وباختصار، فإن ظهور AZAPAC يعد بداية فتح نافذة جديدة في جدار الصمت السياسي الأمريكي حول النفوذ الإسرائيلي، وقد يشكل — مع الوقت — إحدى أدوات إعادة صياغة العلاقة الأمريكية–الإسرائيلية، أو على الأقل إعادة النقاش إلى مساره الطبيعي: مصلحة الشعب الأمريكي أولًا.
الرياض 24/11/2025 م