أحمد الناصري
تجربة كاسترو وجيفارا والثورة الكوبية المسلحة والمفاهيم والأساليب الجديدة التي أضافتها لحركات التحرر الوطني في أمريكا اللاتينية والعالم، علامة فارقة ومهمة، بالإضافة للتجربة الصينية والفيتنامية وتجارب أفريقيا المتميزة. وهي تجربة جديرة بالدراسة والمتابعة والتمعن والنقد.
الفكرة ببساطة تتعلق بموقف كاسترو ورفاقه في مشروع التحرر والاستقلال الوطني والبناء الداخلي (الوطني)، من إرث وهيمنة استعمارية (اسبانية) ثقيلة ومباشرة، ثم الهيمنة الأمريكية المباشرة، التي مارست سياسة الابادة ضد السكان الأصليين و(العبيد) والبلدان الضعيفة المحيطة بها (الحدائق الخلفية) وجمهوريات الموز والملاهي الرخيصة، وقضايا الانقلابات والتدخل والسيطرة والأسواق والاستغلال الداخلي والعالمي. وهو قائم بوحشية حتى هذه اللحظة، بنفس الأساليب التقليدية القديمة…
كاسترو تعرض للضغط والتشويه السوفيتي في قمة التراجع العام في مواجهة الامبريالية والرأسمالية والاستغلال الداخلي والخارجي وسياسة الوفاق الدولي، لكنه طرح مفاهيم جديدة كثيرة، ونجح في انتصار الثورة، وتحريك رياح التحرر في أمريكا اللاتينية ومساعدة الثورات وحركات التحرر الوطني في مصر والجزائر وفلسطين وأفريقيا. وكان الموقف من القضية الفلسطينية تجسيد لموقف أممي ثوري وإنساني ناصع ومتقدم…
هناك قضايا داخلية وقضايا خارجية، وهي تختلف في وضعها وشروطها في كيفية التعامل معها. وهناك فرق ومسافة بين موقف الحزب والحركة السياسية (المعارضة أو في الحكم) وبين سياسة الدول ومؤسساتها. كذلك لم يعد الشكل الثوري القديم (الأممية الاشتراكية) موجوداً، الذي يتابع ويرد على كل صغيرة وكبيرة حول العالم…
عندي ملاحظات ومعلومات حول علاقة كاسترو بالعراق وصدام وكذلك السوفييت والبلدان الاشتراكية السابقة. ربما يعتبر كاسترو العراق ضمن بلدان التحرر الوطني وضمن مجموعة عدم الانحياز ومناطق النفوذ السوفيتي التقليدي (حسب نظرة سوفيتية)، وقضية الاعتراف المبكر بألمانيا الديمقراطية والمعاهدة السوفيتية العراقية عام 72.
لقد سالت عدد من الرفاق الذين لهم علاقات مع البلدان الاشتراكية. هل قدم الحزب معلومات تفصيلية حول طبيعة النظام الحقيقية ومعلومات عن التجاوزات والقمع التدريجي المنظم الذي أصبح شاملاً في النهاية. كان الجواب لا. وعلى العكس فكان برنامج الحزب الذي أقره المؤتمر الثالث عام 76 يقول بالتطور اللارأسمالي بأفق اشتراكي، يقوده الشاب الواعد صدام حسين شخصياً، الذي أطلق عليه كاسترو العراق. بمعنى أنه سيتحول من ديمقراطي ثوري إلى ماركسي وشيوعي مثل كاسترو. وفي عام 79 وال 80 عندما طلب الرفاق من البلدان الاشتراكية دعم سياسي ومال وسلاح لمواجهة الفاشية. كان الرد أننا لم نترجم بعد برنامجكم الذي يقول يداً بيد صوب الاشتراكية. فكيف لنا كحزب ودولة أن نستدير بهذه الطريقة وبهذه السرعة؟ ومع ذلك قدمت كل البلدان الاشتراكية مساعدات سياسية ومالية وزملات دراسية وبيوت ومقرات وفنادق لقيادة الحزب. كذلك كانت براغ الاشتراكية والرأسمالية هي مقر اللقاءات والمبادرات للمصالحة والحوار مع النظام من خلال مكرم الطالباني وغيره.
لم تكن العلاقات الاقتصادية قوية بين كوبا والعراق بسبب بعد وفقر كوبا المحاصرة. أما عن تقديم كاسترو لسكائر الجرود الكوبية الشهيرة لصدام، فهل كان عليه أن يقدم له جكاير مزبن أو لف؟ لكن في مواصلة للتبسيط الفادح في التفاصيل، كان على كاسترو ان يشترط إلا يشعل سكائره الكوبية طارق عزيز بالطريقة الاستعراضية المذلة والسخيفة…
كاسترو علامة بارزة في التحرر الوطني الإنساني الواضح، عكس التجارب المشوشة والناقصة للبرجوازية القومية والوطنية بكل اشكالها…
أما محاولة بناء الاشتراكية في جزيرة محاصرة، صغيرة وفقيرة، في ظل انهيار عالمي، وصراع شرس، فهو موضوع بحاجة إلى دراسة الصعوبات والفشل والتراجع، بدون عدمية مختلقة أو انبهار بالرأسمالية الصناعية الوحشية التي تقوم على أساس الربح والنهب والاستغلال.
2021-11-30