قضية المقاتلين الاجانب.. بين الاخلاق والسياسة!
اضحوي جفال محمد*
يواجه الشرع امتحاناً عسيراً حيال المقاتلين الاجانب الذين ضحوا بارواحهم لإيصاله عرش سوريا والان تضغط دولهم للقبض عليهم ومحاكمتهم وربما إعدامهم، وبعضهم مطلوب بالاسم لعلاقته بجرائم ارهابية سابقة.
عدم التجاوب مع الدول المعنية يعني ببساطة ان لا تتجاوب تلك الدول مع طلب رفع العقوبات عن سوريا وحكومتها فيبقى الوضع الاقتصادي يتدهور من سيء إلى اسوأ. أما التجاوب والتسليم فمن أخس حالات الغدر والخيانة لمن جاء من أقصى الارض ناصراً.
خلال الاجتماع بين الرسول الأكرم ووفد قريش برئاسة سهيل بن عمرو عند بئر الحديبية وبعد دقائق فقط من التوقيع على بنود الصلح التي تتضمن نصاً بأن يعيد المسلمون إلى قريش من جاءهم مسلماً دون موافقة وليّه ظهر اليهم ابو جندل بن سهيل بن عمرو (ابن مفاوض قريش) يرسف بالأغلال مستغيثاً بالمسلمين فقد اسلم ووراءه نفر من المشركين يريدون القبض عليه. فقال والده للرسول: يا محمد أنا وانت تصالحنا وكتبنا عهداً قبل ان يظهر ابو جندل فاردده الينا. ورده الرسول اليهم.
ذكرت هذه الحادثة مع انها لا تنطبق على موضوع المقاتلين الاجانب في سوريا، وسأذكر أمثلة اخرى لأحيط بالموضوع من جوانبه المختلفة. ابو جندل اعلن إسلامه وأقبل بعد ان علم بوجود المسلمين بالقرب من مكة ليحتمي بهم، وهو لا يعلم أنهم تعهدوا برد من يأتيهم مسلماً. والمسلمون لا يتوقعون أن يتعرضوا للاختبار بهذه السرعة، فالمتوقع ان تنتشر اخبار الصلح ويعلم بها من يُسر الإسلام فيتصرف على اساسها. اما المقاتلون الاجانب الذين انضموا للنصرة خلال الحرب فجاؤوا من منطلق جهادي يتبناه الشرع آنذاك فوثقوا به. والآن هو مطالَب من جانب دول كبرى بتسليم المطلوبين وعليه أن يفاضل بين المبدأ الاخلاقي ومصلحة الدولة.
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 طلب الأمريكان من طالبان تسليم ابن لادن والظواهري وجميع قادة تنظيم القاعدة باعتبارهم مسؤولين عن الهجمات او أن تهاجَم دولتهم، فغلّبوا المبدأ على مصلحة الدولة وعلى انفسهم وهكذا تم غزو افغانستان واحتلالها.
الحالة المعاكسة كانت في فلسطين بعد اتفاق أوسلو إذ قامت السلطة الفلسطينية بتسليم إسرائيل عشرات المقاومين الفلسطينية وبأساليب عديدة وموغلة في الخبث والدناءة مع ان فلسطين محتلة اصلاً! فعدم التسليم لا يعني احتلالهم ولا تقويض حكومتهم. والنصوص المعلنة للاتفاق لا تشير إلى تسليم وإنما إلى (التنسيق) لمنع هجمات (ارهابية) على اسرائيل.
وبين التسليم والامتناع يوجد حل إبداعي لجأ اليه الملا مصطفى البارزاني في ستينيات القرن الماضي عندما طلب منه الشاه تسليم قائدين في الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني هما سليمان معيني وخليل شويباش. كان تسليمهما يناقض المبدأ الذي يحمله الملا، وعدم تسليمهما يضع الثورة الكردية في مواجهة أهم داعميها، وكان الحل الإبداعي ان يقتلهما الملا ويسلّم رفاتهما ليعرض في مهاباد وينقله التلفزيون الإيراني. وربما فكر الشرع بشيء من ذلك وهو يرسل قواته لمهاجمة مخيم الفردان في حارم وكل أمله ان يُقتل المطلوب الفرنسي عمر اومسين فتنتهي قضيته كما تُطفأ الديون الحكومية بالوفاة. غير أن اومسين قتل 18 عنصراً من الامن العام السوري وبقي حيّاً. فالمعضلة لا تزال قائمة وهي غير متعلقة بشخص محدد وانما بظاهرة لا ندري كيف سيواجهها الشرع!.
( اضحوي _ 2268 )
2025-10-27