في ذكرى رحيل حارس الثقافة أحمد الباقري…!
أحمد الناصري.
يا هذا الفقدان والحزن الذي ظل يلاحقني ويحاصرني، من الناصرية نحو العالم، ويطيح بأحلام جميلة وبقايا صغيرة متناثرة، لملمتها وجمعتها في خبايا الروح والذكرى والرحلة والوجع الطويل.
كانت عندي قائمة (سرية) بأسماء أصدقاء تمنيت أن التقي بهم يوماً ما، بعد منفى طويل، هي تتلاشى الآن بفعل الفقدان والحزن.
القائمة تشبه الحلم والتخيل، إذ ليس لها علاقة بالواقع وما جرى للناس والمدينة، ومصائرهما!
اليوم رحل واحد من أعضاء القائمة السرية وتلاشى معه حلم آخر في أن نلتقي. لقد رحل أحمد الباقري، مثقف المدينة والمثقف العربي والعالمي. خريج معهد الفنون الجميلة، مترجم بارع، شاعر وقاص وروائي. ترجم لعدد من شعراء فرنسا (رصيف سوق الأزهار). كتب المقدمة خالد الأمين الكريستال الشيوعي، الشهيد الصلب.
أحمد الباقري، المثقف الهادئ المثابر. القارئ والكاتب. كان يتصرف ويسير في شوارع المدينة بهدوء بالغ، كأنه يدب عليها، وكأنه راحل.
أحمد الباقري الذي كان ينشر في المجلات الثقافية العراقية والعربية، تلك المجلات التي تصله إلى المدينة من بغداد وبيروت والقاهرة، وهو من رواد مقهى أبو احمد الثقافي، وعضو الجمعيات والنوادي الثقافية.
أتذكر جيدا بيتهم وطرازه الجميل، وشرفة صيفية كبيرة تطل على شارع الحبوبي مطعمة بالشناشيل والخشب، مرشوشة بماء القلل والمشربيات وماء الصيف، حيث ينعقد كل ليلة مجلس اجتماعي كبير لأصدقاء والده.
كتبت عنه في مرثية المدينة حول (مدينة من غبار أسسها أحدهم وندم) وحالته أيام الحصار الجائر(المترجم المبدع أحمد الباقري خريج معهد الفنون الجميلة وكاتب القصة والمترجم الذي انتهى به الأمر أن يعمل في مطعم يملكه أحد الأشقاء المصريين، ثم صاحب بسطة صغيرة لبيع السكائر على أرصفة مدينته) …
رحل قنديل المدينة المشع. أبنها وحارسها الجميل، وحارس النهر، الإنسان الهادئ المثابر…
شمعة لأحمد الباقري الجميل…

