عن «المؤتمر القومي العربي»!
أيهم السهلي*
أنهى «المؤتمر القومي العربي» أعماله قبل يومين، بعد أن انعقدت في بيروت دورته الـ34، وهو الذي تأسّس عام 1990، وعقد دورته الأولى في تونس (3-5/3/1990)، على أيدي ثلّة من العرب القوميين المؤمنين بالشعب العربي ونضاله، وبالتالي كان المؤتمر فكرة وازنة لـ«الإسهام في شحذ الوعي العربي بأهداف الأمة المتمثّلة في مشروعها الحضاري وهي: الوحدة العربية والديمقراطية والتنمية المستقلّة والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني والقومي والتجدّد الحضاري وتحقيق التفاعل بين الوحدويين العرب في إطار من التنوّع والتكامل، وتعبئة الطاقات الشعبية من أجل تحقيق هذه الأهداف، واتخاذ المواقف المعبّرة عنها، وتوثيق روابط التعاون والتنسيق مع الهيئات المماثلة في أهدافها».
لكن، بعد كل هذه السنين، وتعميق التجربة القومية والوطنية وترك معظم الأوائل في المؤتمر ريعانَ الشباب، والوصول إلى الشيخوخة، شاخ مع بعضهم «المؤتمر القومي العربي»، حتى بدت الفكرة القومية نفسها كأنها شاخت. فالمؤتمرون الذين حضروا المؤتمر، لا يزالون يطرحون الأفكار تلو الأفكار، وكأنّ الزمان توقّف في سنوات خلت، فلم يعُد الزمان يتقدّم حتى لأيام أو أسابيع.
إنّ طريقة وأسلوب عمل المؤتمر، لم تعُد تتناسب وتطوّرات العصر، ولا سيّما أنّ الحضور الشاب ضعيف جداً، يكاد لا يذكر وبالتالي، إمكانية وصول فكرة القومية العربية التي وُجد من أجلها هذا المؤتمر، لشرائح واسعة في الوطن العربي، شبه مستحيلة. وحسبي بذلك موقع «المؤتمر القومي العربي» الذي لا يمكن وصفه، في معايير المواقع الإلكترونية، إلا بالرديء والضعيف وغير المنظّم، والذي لا يبهر أي مهتمّ لمتابعته؛ هذا وقد عانيت حتى تمكّنت من العثور على بعض المعلومات في صفحات الموقع!
لعلّ ما فهم من الفقرة السابقة، مطالبة بتجديد الموقع الإلكتروني للمؤتمر، وهذا صحيح، لكن المطلوب، بدقة أكثر، تجديد «المؤتمر القومي العربي» نفسه، والنظر في مدى صلاحية بعض الخطاب المقدّم، تحديداً لأنّ «المسألة العربية»، بحسب الدكتور كمال خلف الطويل، الذي كتب في ربيع العام الجاري: «…لأنّ سقوط ذلك المشروع النهضوي التوحيدي، أي بقاء العرب أمة ناقصة التكوين (بلا دولة قومية) فاقم من تدهور أحوال أشطارها القطرية «الدولانية»، فبات ما كان تصوّرها مداميك توحيد – أي القطرية – هي نفسها في مهبّ الريح. والحال أن تلازم المسارين: تلاشي الكينونة القطرية وغياب الآصرة القومية، هو بالضبط ما نحن فيه وعليه الآن.
ولعلّ توصيف ذلك بدقّة أول الطريق لِتبيُّن مخارجه» (كمال خلف الطويل، «تأملات في المسألة العربية»، موقع «مركز دراسات الوحدة العربية»، 3/3/2025).
والسؤال، عطفاً على المثال المقدّم، وغيره، هل وصّف أهل القومية العربية «حال الأمة» فعلاً، وهل بعد التوصيف هناك ما ستفعله النخب التي شاركت في المؤتمر، وعددها نحو 250 عربياً، أتوا من أصقاع الوطن العربي، والعالم، وهم من بين أكثر من 450 ألف عربي يمكثون في «قلب الدنيا» بحسب تعبير الطويل.
لعلّ الفاعلين في «المؤتمر القومي العربي» لا يرون في «مصائب» العرب مصائب، وربما يحيلونها إلى أسباب خارجية (استعمارية مباشرة وغير مباشرة). كما أنّ إحالتها إلى الغرب فقط، وإبعادها عن مسؤولية الحكّام، هي أهون الشرّين، ولا سيّما أنّ الأصوات الحرة في الوطن العربي مدانة ومهدّدة، وأصوات الجلد والتقتيل والكهرباء وسفك الدماء في زنازين «الأمن» العربي، أعلى صوتاً من أصوات من يأتمرون بالقومية العربية، ومؤتمراتها. وتحاول أن تكون أعلى صوتاً من الشعب العربي الذي يريد أن يكون حرّاً متحرّراً من سطوة المستعمرين الداخليين والخارجيين، والمدافعين عن حكّام وحكومات العرب غير الأقحاح.
أخيراً، في تأسيس «المؤتمر القومي العربي» كانت هناك عقول وازنة، نذكرها هذه الأيام، كشخصيات برعت في تشخيص الأزمات العربية، فنقدت «العقل العربي» ودرست تكوينه، وفهمت تراث العرب، وأضاءت عليه، واليوم كذلك، في «المؤتمر» عقول وازنة، لا شكّ في إمكانيّاتها ومكانتها، لكن، وأغلب الظنّ أنّ على كل هذه العقول، إعادة النظر في الأدوات والأساليب، حتى تتمكّن الأمة من النهوض بنفسها بالمقاومة وغيرها.
- كاتب فلسطيني