عليّة العلاّني، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية لـ”الشروق”:
- حدوث تقسيم جديد لبعض دول الشرق الأوسط غير مستبعد.
- تركيا هي الحاكم الحقيقي وراء الستار في سوريا.
- المنتفع الأكبر من حرب غزة و سوريا هي شركات الإعمار.
- ما يحدث في سوريا هو الفصل الأخير قبل غلق تجربة الإسلام السياسي.
- المنطقة المغاربية أمام فرصة استثنائية لبناء قوتها الاقتصادية و السياسية.
التداعيات الجيوسياسية لما حصل في سوريا على منطقة الشرق الأوسط و على المستوى الدولي، كانت محور هذا الحوار الذي استضافت فيه “الشروق” الباحث شؤون الجماعات الإسلامية عليّة العلاّني.
- حاوره: هاشم بوعزيز
1-مثّل سقوط النظام السوري حدثا له أبعاده الاستراتيجية، كيف ترى تداعيات ما حصل على المستوى الإقليمي؟
من الواضح أن لهذا الحدث جملة من التداعيات لعلّ من أبرزها قطع شرايين التزود بالسلاح لحزب الله و المقاومة الفلسطينية، و العودة لبناء أنبوب الغاز المتجه نحو أوروبا و الذي أُجهض في نسخة الربيع العربي الأولى بعد 2011، إضافة إلى إمكانية قيام نظام فيدرالي في سوريا يسمح للأكراد بحكم ذاتي أوسع، و وضع حدّ لنفوذ إيران في المنطقة.
من الارتدادات الممكنة أيضا احتمال حدوث تقسيم جديد لبعض دول المنطقة، و إنهاء حرب غزة و وضع خطة أمريكية غربية جديدة لدولة فلسطينية في غزة و الضفة ربما تكون منزوعة من السلاح الثقيل و تقودها قيادة لها مقبولية لدى الشعب الفلسطيني و لدى المحيط الإقليمي و الدولي و ربما يكون مروان البرغوثي أحد هذه القيادات.
و في ما يهمّ بلادنا، قد تكون هناك صعوبة في الوصول إلى قاعدة البيانات بخصوص الإرهابيين ممن قاتلوا في صفوف داعش و القاعدة في سوريا الذين ربما يتم إيوائهم و منحهم الإقامة و لو أنني أستبعد هذا السيناريو رغم أني لا أنفيه.
2- هل سنشهد في المقابل تغيرا في المعادلة على مستوى القوى المهيمنة في المنطقة؟
من الواضح أن طوفان الأقصى و سقوط الأسد كان من نتائجه الأولية تقليص نفوذ القوى الإقليمية الصاعدة في المنطقة و هي إيران التي كانت مبوبة للعب أدوار أكبر في المستقبل، و في المقابل انتعاش نسبي للقوة الإقليمية التركية بعد أن نزلت أسهمها في الأشهر الأخيرة، و اليوم تركيا هي الحاكم الحقيقي من وراء الستار في سوريا، و هناك خشية من ضمّها أجزاء من الشمال السوري إلى مساحتها الحدودية في صورة فشل الحوار مع الأكراد.
أما القوة الإقليمية الثالثة المنتظر ظهورها فهي الكتلة العربية بزعامة السعودية و الإمارات و دول الخليج و عدة دول عربية و مغاربية، و هذه الكتلة ستكون معنية بحلّ الدولتين و إعمار غزة و سوريا، و المؤمّل أن تتحول هذه الكتلة مستقبلا إلى إتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي، تحتفظ فيه الدول المنضوية بمؤسساتها السياسية و التشريعية و جيوشها و يكون لهذا الاتحاد رئاسة دورية.
3- في المعادلة الدولية هناك قوى أخرى قد تكون خسرت من المتغيرات التي حصلت في سوريا و منها الطرف الروسي، كيف ترى ذلك؟
روسيا خسرت أهم حلفاءها في المنطقة، و هي لا تريد خسارة أخرى في السودان و ليبيا و إفريقيا عموما، و قد اعتبرت أن بشار الأسد ورقة استنفدت أغراضها و تحولت معه سوريا إلى عبئ اقتصادي عليها، و يمكنني القول هنا أيضا أن علاقة روسيا بإسرائيل أقوى من علاقتها بسوريا و قد أبقت عموما على بعض مصالحها هناك خاصة و أنها تسيطر على مناجم الفسفاط مثلا في سوريا.
في المقابل، فإن عملية إسقاط الأسد من طرف أمريكا تحمل عدة رسائل، أولها لروسيا في علاقة بحرب أوكرانيا و محاصرة تمددها في إفريقيا و خاصة السودان و ليبيا، و ثانيها للصين في التصدي و معاكسة طريق الحرير، و ثالثها لدول البريكس في سعيها لضرب الدولار عبر عملة جديدة، و رابعها لدول الشرق الأوسط مفادها أن أمريكا باقية في المنطقة و هي المؤثر الأول في سياسة دول المنطقة خاصة في شكلها الجديد.
4- بعض القراءات ترى أن ما حصل في سوريا سيكون له تداعيات جيوسياسية على المستوى الدولي، كيف ذلك؟
أعتبر عموما أن سقوط نظام الأسد هو أحد تداعيات طوفان الأقصى، فالحرب على غزة و لبنان كانت مدخلا للصهاينة لزعزعة نظام الحكم في سوريا، إضافة إلى أن حُماة سوريا و هما روسيا و إيران اقتنعا أن أيام الأسد معدودة بعد فشله في المصالحة مع شعبه من وجهة نظرهما و بعد اختراقات عديدة داخل جيشه و هو ما عجّل سقوطه بطريقة تسلّم و تسليم و ليس بطريقة حرب ضروس و ذلك بموافقة ثلاثية تركية روسية إيرانية، خاصة و أن روسيا شعرت أن سوريا باتت عبئا اقتصاديا و عسكريا عليها، ثم إن طريقة حكم آل الأسد داخليا أفقدته شعبيته مما عجّل بسقوطه.
و المنتفع الأكبر في نظري من حرب غزة و سقوط الأسد هي الشركات الكبرى للإعمار الدولية بدرجة أولى و الإقليمية بدرجة ثانية، أما سياسيا فالمنتفع أيضا هي الولايات المتحدة و حلفاؤها بدرجات متفاوتة.
5-الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب صرّح سابقا أن حرب سوريا ليست حرب أمريكا، كيف سيتجسد ذلك على مسار الأحداث؟
أعتقد أن ترامب رجل براغماتي، و خطابُ ما قبل الوصول إلى الحكم ليس كما بعده، ذلك أن البنتاغون يُعدّ من أكبر الأصوات المؤثرة في القرار المتعلق بالحروب، كما أن الدولة العميقة في أمريكا و منها خاصة القوات الصلبة لا ترى مصلحة في انكفاء بلادها عن الحروب.
فالصناعة الحربية تدرّ مليارات الدولارات و هي محرّك كبير لاقتصاد البلاد، و هذا التوجه يتعارض مع تصريح ترامب بإنهاء حرب أوكرانيا و انتقاده الضمني لما حصل في سوريا.
مركز التأثير الكبير يوجد أيضا في البيت الأبيض و وزارة الخارجية، و هنا يجدر التذكير أن وزير الخارجية الحالي بلينكن كان قد قدّم محاضرة نشرتها صحيفة “فورين أفيرز” في غرة أكتوبر الماضي تحدث فيها عن رؤية الولايات المتحدة حاضرا و مستقبلا لأبرز القضايا الدولية و خاصة ما يتعلق بما يعرف بالنظام العالمي الجديد.
و قد عارض بلينكن وفق الصحيفة ظهور أي نظام دولي جديد و طرح بعض الإصلاحات داخل المؤسسات الدولية، إذ يقول إن الإدارة الأمريكية عوض البحث عن نظام جديد” فإنه بالإمكان توسيع مجلس الأمن بإضافة عضوين دائمين من إفريقيا و عضو دائم من أمريكا اللاتينية و منطقة بحر الكاريبي، و مقعد منتخب للبلدان الجُزُرية الصغيرة النامية، إضافة إلى المقاعد التي اقترحناها منذ فترة طويلة لألمانيا و الهند و اليابان”.
فالولايات المتحدة تعارض نظاما دوليا جديدا، لكنها تتحضر لذلك في صورة إصرار القوى الكبرى على المضي في تغيير جذري للنظام الحالي، و هنا نرى العودة القوية لأمريكا في الشرق الأوسط بعد أن لوّحت سابقا برغبتها في الانسحاب العسكري من عدة مناطق، و هي اليوم اللاعب الأوحد في حرب غزة و سوريا و مشاريع التقسيم المطروحة.
و في صورة ظهور نظام عالمي جديد، فإن أمريكا ستكون على الأقل قطبا ضمن الأقطاب الكبرى في العالم و لها مناطق نفوذ و منابع كبيرة في الثروات المعدنية و الطاقية، و لعل تصريح ترامب الأخير بمقترحه لضمّ كندا كولاية جديدة يترجم هذه الهواجس.
6- تعددت التحليلات بخصوص المتغيرات في الشرق الأوسط على منطقتنا المغاربية، كيف تقرأ الارتدادات الممكنة؟
هناك مسألة مستعجلة مغاربيا و هي مساعدة ليبيا على تنظيم انتخابات في أقرب وقت دون أي تدخل أجنبي، أما المسألة الثانية فهي الشروع في ترتيب البيت المغاربي و البحث عن حلول توافقية تقلص منسوب التوتر لأنه لكل مشكلة حلّ مهما استعصت.
فالمنطقة المغاربية أمام فرصة استثنائية في بناء قوتها الاقتصادية و السياسية بعيدا عن العراقيل التي كانت تضعها بعض الدول الأوروبية مما جعل كلفة اللاّمغرب ترتفع بشكل جنوني، و نحن اليوم نحتاج إلى أن تكون هناك كتلة مغاربية فاعلة داخل اتحاد عربي مرتقب.
7- ما حدث في سوريا أعاد إلى الواجهة الحديث عن التيارات الإسلامية كطرف أبرز في المشهد السوري، كيف يُقارب مطبخ صنع القرار الغربي حركات الإسلام السياسي؟
من المفارقات العجيبة أن تيارات الإسلام السياسي السنّي و الشيعي التي ألّف قادتها كتبا في نصرة القضية الفلسطينية و دعم التعاون بين البلدان الإسلامية نجدها منخرطة في أحلاف و محاور لا تخدم هذه القضايا و قد ظهر ذلك جليّا في حرب غزة و سوريا.
و يجدر التذكير أن الغرب و خاصة الولايات المتحدة كان يراقب تجارب الحكم في الدول العربية و الإسلامية بعد استقلالها حيث نشأت الدولة الوطنية ثم تجارب حكومات قومية ناصرية و بعثية، إلى أن وصلنا إلى حكم يشارك فيه الإسلام السياسي جزئيا أو كليا خاصة بعد فترة ما يعرف بالربيع العربي.
تجربة حكم الإسلاميين لا تقل سوءا عن التجارب الأخرى إن لم تكن أكثر، و يظهر ذلك في ردود فعل الإسلاميين على ما حصل في غزة و خاصة سوريا، أما المفارقة العجيبة فهي أن الولايات المتحدة التي جرّبت الإسلام السياسي الذي دعمته بقوة في عدة دول عربية و وجدت أن التجربة فاشلة بشهادة قادتها، هي تجرّب الآن حكم تيارات دينية متشددة تقول إنها راجعت مقولاتها، و لكنها- أي أمريكا- ما تزال تحتفظ بجملة من الاحترازات حولها إلى أن تتضح الصورة مستقبلا، و ما يحدث في سوريا سيكون الفصل الأخير قبل غلق تجربة الإسلام السياسي نهائيا .
و لعل من التساؤلات المطروحة، هي هل بإمكان تيار كان ينتمي إلى القاعدة أن يقوم بمراجعات جذرية في ظرف زمني قصير، و هذا ما ستثبته لنا الأيام مستقبلا، و نحن نتمنى الاستقرار لسوريا و غزة.
و إذا ما فشلت تجربة حكم التيارات المتشددة فما هي التيارات القادمة التي يمكن أن تظهر كبديل؟، و هذا يطرح على النخب العربية و الإسلامية التفكير في مستقبل دولها وشعوبها، فلا أرى مخرجا و خيرا في عودة الإسلاميين للحكم سواء كانوا من الإخوان أو الجهاديين، فالإخوانيون سيحتفلون بعد 4 سنوات بمرور قرن على نشأة التيار سنة 1929 و هذا التيار لا يُعرف له بعد قرن كامل تجربة ناجحة في الحكم.
نُشر هذا الحوار في صحيفة “الشروق” ص ص 6 و 7 (يومية تونسية مستقلة)ورقية وإلكترونية بتاريخ 11 حانفي/يناير 2025
الرابط
2025-01-15
