«طوفان الأقصى» والهجرة اليهودية المعاكسة!
نبيل السهلي
ارتفعت وتيرة التحليلات حول عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بنجاح على كافة المستويات في صبيحة السابع من تشرين الأول /أكتوبر الجاري.
لكن الثابت بأن العملية النوعية ستؤسس بكل تأكيد لهجرة يهودية معاكسة من فلسطين المحتلة، حيث شهدت إسرائيل في السنوات الأخيرة توجها متزايدا لليهود الإسرائيليين الى الهجرة العكسية خارج فلسطين المحتلة وتحديداً الى أمريكا وأوروبا ذات الجذب الاقتصادي الكبير، وهو الخيار السائد عند آلاف الشباب من اليهود الإسرائيليين مع ترؤس بنيامين نتنياهو حكومة أكثر يمينية في تاريخ دولة الاحتلال بتوليفة من الأحزاب الحريدية والتيار الديني واليمين المتطرف.
الكفاح المستمر
تعتبر عملية طوفان الأقصى من أنجح العمليات الفدائية في تاريخ الكفاح الفلسطيني منذ عام 1948 إذ كشفت هشاشة إسرائيل على كافة المستويات وأنهت دون رجعة مقولة الجيش الإسرائيلي الذي لايقهر. وبطبيعة الحال سيكون ذلك دافعاً لاستمرار المقاومة الفلسطينية المتواترة بأشكالها المختلفة داخل فلسطين التاريخية كرد طبيعي على سياسات الاحتلال الإسرائيلي من تهميش ومصادرة أراض و نشاط استعماري وتقتيل واعتقال واقتحامات مبرمجة لباحات الأقصى المبارك.
وقد توضحت بشكل جلي هشاشة الأمن الإسرائيلي بعد عملية طوفان الأقصى في داخل العمق الاسرائيلي رغم النفقات المالية المرتفعة المخصصة لذلك والتي تصل الى نحو (25) في المئة من الموازنة الإسرائيلية السنوية، وسيكون لذلك انعكاسات على آفاق الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة وكذلك الهجرة المعاكسة منها خاصة بين فئة الشباب من اليهود الإسرائيليين، حيث لم تعد الدولة المارقة جاذبة لمهاجرين محتملين من يهود العالم ناهيك من عدم وجود عوامل طاردة من الدول التي توجد فيها جاليات يهودية كبيرة في أمريكا والغرب وكندا.
والثابت أن عنصري الاستقرار الأمني والرفاه الاقتصادي يعتبران من أهم العوامل الجاذبة لمهاجرين يهود من دول العالم. وبعد خلخلة الأمن الإسرائيلي سيكون من أهم تداعيات نجاح عملية طوفان الأقصى وانعكاساتها على الوضع الإسرائيلي برمته ازدياد أرقام الهجرة المعاكسة لليهود الإسرائيليين خلال الشهور المقبلة، وسيكون ميزان الهجرة اليهودية سلبيا بكل تأكيد كما حدث خلال انتفاضة الأقصى التي انطلقت في نهاية ايلول/سبتمبر من عام 2000 ، وحرب تموز /يوليو مع حزب الله عام 2006 ، وإن لم تفصح عتها معطيات المجموعات الإحصائية ودوائر القرار ومؤسسات البحث الإسرائيلية المختلفة.
حلقة غير مكتملة
تعتبر الهجرة اليهودية الحلقة الأهم على الإطلاق في المشروع الصهيوني. وثمة عوامل جاذبة لليهود باتجاه فلسطين المحتلة في مقدمتها الأمن والرفاه الاقتصادي والشعارات المزيفة التي نجحت بداية وسقطت مع مرور الوقت، وكذلك العامل الاقتصادي ليصبح عنصر الاستقرار الأمني الإسرائيلي هو الأهم والأبرز بالنسبة للمهاجر اليهودي المحتمل من دول العالم. ولهذا جرت عملية تعميم فكرة يهودية إسرائيل وتنظيمها بمستويات مرتفعة قبل عدة سنوات، كمحاولة جادة من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لجذب مزيد من اليهود المنتشرين في بقاع مختلفة من العالم إلى فلسطين المحتلة، فالحركة الصهيونية وإسرائيل تعتبران اليهود في كافة دول العالم بمثابة المادة البشرية لتحقيق أهداف إسرائيل التوسعية من جهة، وركيزة لاستمرار المشروع الصهيوني برمته في المنطقة العربية وعلى حساب الشعب الفلسطيني. ويلحظ المتابع أنه على الرغم من مرور أكثر من خمسة وسبعين عاماً على إنشاء إسرائيل، فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والمؤسسات الإسرائيلية لم تستطع جذب سوى (41) في المئة من إجمالي يهود العالم إلى فلسطين المحتلة، ولهذا يستغل قادة إسرائيل كافة المناسبات للتأكيد على أهمية جذب مزيد من يهود العالم إلى فلسطين المحتلة. وتبعا لأزمة الهجرة اليهودية بفعل تراجع العوامل الطاردة والجاذبة، سعت وتسعى إسرائيل بالتعاون والتنسيق مع الوكالة اليهودية إلى تمويل حملات كبيرة ومنظمة في المستقبل من أجل جذب نحو (200) ألف من الأرجنتين، وعدة آلاف من يهود الفلاشا في إثيوبيا، فضلا عن محاولات حثيثة لاجتذاب نحو (80) ألفا من يهود الهند وجنوب أفريقيا، هذا في وقت باتت فيه أبواب هجرة يهود أوروبا وأمريكا الشمالية في حدودها الدنيا بسبب انعدام عوامل الطرد منها، فيما سوف تؤسس عملية طوفان الأقصى لاحتمالات هجرة يهودية معاكسة بعد انكشاف صورة إسرائيل الهشة أمنياً وعلى كافة الصعد وكذلك استمرار الكفاح الوطني الفلسطيني.
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
2023-10-14