شارع الرشيد: أيقونة بغداد التراثية في مهب الإهمال!
بقلم: البروفيسور وليد الحيالي
المقدمة: حين يتحدث الشارع باسم المدينة
شارع الرشيد ليس مجرد ممر عمراني أو مسار مروري، بل هو أحد الرموز الحضرية والثقافية الكبرى في تاريخ بغداد الحديث. يُجسد هذا الشارع جوهر التحول الذي شهدته المدينة منذ أوائل القرن العشرين، ويروي فصولًا من الذاكرة الوطنية العراقية. واليوم، يقف على حافة الاندثار، لا بسبب الزمن فحسب، بل نتيجة سياسات الإهمال، وسوء الإدارة، والتأويلات الطائفية للرموز التاريخية.
الفصل الأول: الشارع الذي صنع الذاكرة
1. النشأة والهوية
افتُتح شارع الرشيد سنة 1916 أثناء الاحتلال العثماني لبغداد، باسم “خليل باشا جادة سي”، ثم سُمِّي لاحقًا بشارع الرشيد، تيمنًا بالخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي شهدت بغداد في عهده ذروة مجدها العمراني والعلمي.
2. مجدٌ عمراني وثقافي
عرف الشارع أوج ازدهاره في العهد الملكي، إذ احتضن:
• المقاهي الثقافية مثل مقهى حسن عجمي والبرازيلية.
• دور السينما: روكسي، الوطني، غازي.
• المعالم الدينية: جامع مرجان، كنيسة الأرمن.
• المكتبات ودور النشر، ومقرات الصحف.
الفصل الثاني: تدهور تدريجي وإهمال مريع
بمرور الزمن، بدأ الشارع يفقد ملامحه، لأسباب مركبة منها:
1. تآكل عمراني
• انهيار عشرات المباني التراثية نتيجة غياب الترميم.
• تشويه الواجهات التاريخية بعناصر تجارية وبسطات وأسلاك.
2. فوضى إدارية
• تضارب بين أمانة بغداد وهيئة الآثار ووزارة الثقافة بشأن إدارة الشارع.
3. ضعف الإرادة السياسية
• انشغال الدولة بملفات أمنية واقتصادية، مع غياب رؤية استراتيجية للحفاظ على التراث.
الفصل الثالث: البعد الطائفي في الإهمال
من أبرز أسباب تهميش شارع الرشيد ما يمكن تسميته بـ*“التحفظ الأيديولوجي” على اسمه وتاريخه*. فبعد 2003، تبنت بعض الجهات المتنفذة نظرة مشوّهة للتاريخ، تنطلق من خلفيات طائفية ضيقة، واعتبرت أن اسم “الرشيد” يمثل رمزًا لفترة عباسية يُحمّلها البعض إرثًا خصوميًا.
نتائج هذه النظرة:
• تجاهل متعمّد لقيمته كمعلم حضاري جامع لكل العراقيين.
• التعامل مع الشارع كمكان “لا يستحق الإحياء”، في مفارقة مؤلمة تكشف كيف يمكن للهوية الطائفية أن تنتقم من التاريخ.
الفصل الرابع: ماذا يعني إنقاذ شارع الرشيد؟
إن إعادة الحياة إلى شارع الرشيد تعني أكثر من مجرد تجميل حضري. إنها:
• استعادة لذاكرة بغداد الحديثة.
• إحياء للهوية الوطنية الجامعة.
• خطوة نحو تنشيط السياحة الثقافية وتدويل التراث العراقي.
الفصل الخامس: خارطة طريق لإنقاذ الشارع
1. تشكيل لجنة وطنية عليا
تضم مهندسين معماريين، مؤرخين، وخبراء تراث، بإشراف مجلس الوزراء.
2. تشريع قانون لحماية التراث
يلزم الدولة والمؤسسات المحلية بحماية الأبنية والمناطق التاريخية.
3. تنظيم استخدام الأرض
منع البسطات والتجاوزات، وتخصيص مناطق تجارية بديلة.
4. تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص
لتأهيل المباني وتحويلها إلى مكتبات، مقاهٍ ثقافية، متاحف مصغّرة.
5. تدويل الملف
بالتعاون مع اليونسكو والمنظمات الدولية المعنية بصون التراث.
الخاتمة: الشارع لا يموت إذا تذكرناه
شارع الرشيد ليس ملكًا لبغداد وحدها، بل للعراق كله. إن تركه ضحية الإهمال والتأويل الطائفي هو تفريط بقطعة من روحنا الجماعية. إنقاذه واجب على الدولة والمجتمع، وعلى كل مثقف وغيور. فالمدن التي تهمل تراثها تفقد بوصلتها، والشعوب التي تنكر ماضيها لا يمكن أن تصنع مستقبلًا موحدًا
2025-06-09
