رسالة صندوق النقد الدولي إلى تونس: التطبيع أم الفوضى والتجويع!
سفيان بن مصطفى بنحسين
أعادت كلمة الرئيس التونسي قيس سعيد حول سعي صندوق النقد الدولي لفرض أجندة سياسية على تونس إلى الأذهان تصريحات خالد الذكر جمال عبد الناصر عن المعونة الأمريكية يوم قال بلهجته المصرية الجميلة: «اللى مش عاجبه سياستنا يشرب من البحر.. ولو البحر الابيض خلص.. يشرب من البحر الأحمر.. فلا يمكن أن نبيع استقلالنا بملايين المعونة.. واللى يتكلم أى كلمة مش عجبانا هنقطع لسانه.. لأننا شعب مش بنقبل الناس الرذلة»، وما صندوق النقد الدولي سوى هيئة امريكيه مُغلفه بمصطلح “دولي” تدعم وتبارك ذبح الشعوب التواقة إلى الحرية.
أُعلِن عن إنشاء صندوق النقد إثر مؤتمر بريتون وودز سنة 1944 حين كانت الحرب العالمية الثانية توشك على وضع أوزارها ونفض غبارها لتعلن نهاية عهد الهيمنة الأوروبية على مقدرات العالم وبدء العهد الأمريكي وريث القوى الكولينيالية، كان المؤتمر بمثابة إعلان نهاية حقبة دموية وميلاد أخرى، وكما يحدث مع أبطال المصارعة المسنين راحت القوى الأوروبية تنسحب من الحلبة خائرة القوى تاركة الساحة للولايات المتحدة بوصفها البطل الجديد، إن الصندوق بعبارة أخرى هو إحدى المؤسسات التي أنشأتها القوة العظمى لتفرض هيمنتها على العالم وترغم مجموعة الدول النامية أو المنهكة على تنفيذ إصلاحات تهتدي بالليبرالية الحديثة وتتماهى مع تصورات الرأسمالية الأمريكية، ويخبرنا التاريخ العفن لهذه المؤسسة الإستعمارية أن ما من بلد لجأ إليها إلا وأفقرته وأرهبته وجهّلته وأفقدته سيادته وحريته وكرامته، وجعلته دولة فاشلة مفلسة وبيئة حاضنة للّصوص والقتلة والمرابين وتجار المخدرات وأصحاب الشهادات المزورة، وإليكم بعض الأمثلة:
يوغسلافيا التي أغرقها الصندوق في المديونية حتى إنتهى بها الأمر إلى التفتت والإنهيار، فقد نفذ الصندوق عام 83 أول إعادة جدولة لديون البلاد، وعوضا عن تحقيق الهدف المعلن الذي زعم أنه يسعى لبلوغه تراكمت الديون وإحتلت البلاد المرتبة السابعة في قائمة الأكثر مديونية في العالم وأدى التدهور الاقتصادي إلى تصاعد التوتر بين جمهوريات الإتحاد ثم إلى الحرب الأهلية والتفكك.
الأرجنتين: تسبب الصندوق في إندلاع أكبر حالة إفلاس حكومي في التاريخ حين خضع فيديلا للإملاءات وحرر التجارة والقطاع المالي من القيود الحكومية أو إستبدلها بقيود الشركات الأمريكية لينفلت التضخم وتعم الفوضى البلاد لعقود طويلة.
المالاوي التي اضطرت لبيع كامل مخزونها الاستراتيجي من الحبوب سنة 2001 تحت ضغط صندوق النقد الدولي لتضرب المجاعة البلاد سنة 2002
اليونان، قبرص ولبنان والقائمة تطول وتطول
أما تونس فقد لجأت إلى الصندوق في ستينات ثم سبعينات القرن الماضي لتتراكم المديونية وتنخفض قيمة العملة ثم تعم الفوضى البلاد في ما عرف بإنتفاضة الخبز سنة 1984، وتلتها جولة أخرى من الإقتراض سنة 1988 تحت عنوان «الإصلاحات الهيكلية الكبرى «لينتج عن ذلك التفويت في بعض المؤسسات وإبرام تبادل حر مع الإتحاد الأوروبي أجهز على ما تبقى من قدرة صناعية للبلاد وبرز جيل جديد من طبقة الأثرياء أو فئران الأزمات الذين إستفادوا من عامل قربهم من دائرة صنع القرار، ثم تضاعفت وتيرة التداين بعد الثورة بشكل غير مسبوق في إصرار عجيب من الحكام الجدد على تأبيد الفشل وتكرار نفس التجارب ثم انتظار نتائج مغايرة لتصبح البلاد على شفى كومسيون مالي جديد يضعها بشكل رسمي تحت الوصاية الغربية.
المؤكد والظاهر والملموس أن صندوق النقد ليس مؤسسة مالية كما توحي إلينا تسميته وإنما وسيلة أمريكية لإستعمار غير مباشر، ويأتي تصريح قيس سعيد الأخير بأنه لن يقبل الإملاءات وأنه يدرس حلولا بديلة لتجاوز الأزمة الاقتصادية ليحيلنا إلى الجزم بأن الشروط قد تجاوزت الملفات الاقتصادية والإجتماعية لتضع تونس بين خيارين : إما الإنخراط في الاتفاقيات الإبراهيمية والتطبيع مع الإحتلال الصهيوني وإما انتظار سنوات عجاف عنوانها المزيد من الأزمات الاقتصادية والإجتماعية تزيدها العزلة الخارجية سوء بتعلة الذود عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويتعزز هذا الرأي بتصريح رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بأن على الكيان الصهيوني التدخل لفائدة تونس لدى الصندوق وهي إشارة صريحة لساكن قرطاج بأن طريق الأموال يمر حصرا عبر الأراضي المحتلة وأن مفاتيح الصندوق بيد النتن ياهو يهبها لمن يشاء ويمنعها عن من يشاء، ثم يأتي الرد من الرئيس عبدالمجيد تبون بأن الجزائر لن تترك تونس بمفردها وهو رد تلقاه الغرب كما تلقته بيادقه الذين تدلت كروشهم في السنوات العجاف بالكثير من الخيبة والشنآن والأسى.
لو قبل قيس سعيد بالانخراط في موجات التطبيع لإنتفت تهمة العنصرية التي سعى الغرب لإلصاقها به إثر أزمة اللاجئين الأفارقة ولإحتفت عواصم الغرب بصواب مسار 25 جويلية / يوليو كما أشادت سابقا بديمقراطية حسني مبارك وحكمة محمد السادس ونجاحات محمد بن زايد ورؤية حمد بن خليفة ودهاء زعماء دول المحميات الأمريكية وأكشاك الخليج التي تتقاسم الهوية الوجودية مع الكيان الصهيوني في فلسطين، ولإستجاب صندوق النقد الدولي لتونس كما إستجاب مؤخرا لطلب المملكة المغربية بوضع خط ائتمان مرن بقيمة 5 مليارات دولار رهن إشارتها، وبقرض بقيمة 450 مليون دولار من البنك الدولي كمكافأة لحكامها جزاء الإرتماء في أحضان الحركة الصهيونية، لكن سعيد الذي لم يتردد لحظة ولم ينكص على عقبيه يعي أن عقدا معنويا بينه وبين ناخبيه عنوانه *التطبيع خيانة عظمى* وأن الإعتراف بالكيان ولو رمزا في قرية نائية بالنقب سيعصف بالإلتفاف الجماهيري حوله.
يراهن الغرب على الأزمة الاقتصادية لإخضاع البلاد الى استعباد وتضليل فكري وسياسي مُزدَوَج لكن الأمل الذي يراوده سوف يطول انتظاره، وقد لا يتحقق في النهاية، فمن ذاق طعم الكرامة لن يرضى بالخنوع، والقوى الفاشية الأمريكية التي تعتمد مرجعية العصور الوسطى وتجارة العبيد في تعاملها مع الشعوب الثائرة ستشهد أعظم خيباتها في تونس لتبقى هذه الأرض حرة عربية مسلمة لا يدنسها شبح الاستعمار وعار التطبيع.
لتتجه تونس شرقا الى روسيا والصين وتجلب الاقتصاد المزدهر لشعبها بدون هيمنه وشروط خيانية ان كان للقيادة التونسية الجراة والسيادة والشجاعة في اتخاذ هذا القرار
تعليق واحد
لتتجه تونس شرقا الى روسيا والصين وتجلب الاقتصاد المزدهر لشعبها بدون هيمنه وشروط خيانية ان كان للقيادة التونسية الجراة والسيادة والشجاعة في اتخاذ هذا القرار