حريق في شجرة الثقافة العراقية!
أحمد الناصري
تتعرض شجرة الثقافة العراقية (الوطنية الشعبية)، الشجرة الخضراء الوارفة، الى حريق وتخريب وتدمير شامل ومنظم. فبعد المحنة الثقافية في الحقبة الفاشية الطويلة، التي حاولت تقنين الثقافة وحصرها في مجالات معينة، تخدم سياسات السلطة وتوجهاتها الاستبدادية والعسكرية والحربية، لذلك قادت الشعر والمسرح والتشكيل والقصة والسينما والغناء والشعر الشعبي والموسيقى وجرتها الى سواتر الحروب ومتاهاتها العبثية الطويلة ودخان المعارك الشرسة، وتمجيد الدكتاتور ومدحه بطريقة رثة، ومنع وإعاقة تيارات الإبداع الفردية والعامة، وأنتجت جيشاً أو( فيلقاً كما يحلو لهم تسميته، وهي تسمية لا تليق بالثقافة) من المرتزقة، ومؤسسات تافهة من الرؤساء والمدراء والمساعدين الجهلة. وقد شمل التخريب التعليم والجامعات والعلوم والتصنيع البسيط من خلال عسكرته، وتحويله الى تصنيع عسكري، ثم جاء الحصار الجائر والمدمر، ليفكك أسس البناء الإجتماعي والثقافي الداخلي، وتوقفت خلاله دورة الحياة الطبيعية، فكان للثقافة النصيب الرئيسي من الإهمال، بسبب الشح والعوز العام والخاص، وكانت محنة قاسية للثقافة العراقية تركت آثارها السلبية البالغة على الجميع، لكن من المؤكد إن هناك تيارات ثقافية وإنجازات إبداعية هامة ورائعة، تجاوزت حواجز وموانع وشروط الفاشية، وأنجزت عملها الخاص المختلف، خاصة في الشعر والتشكيل والقصة وبعض المحاولات المسرحية الجادة، فهي كانت تقاوم تفاهات الثقافة الفاشية وطوفانها الحربي وركاكتها المقرفة ومدائحها وتملقها.
بعدها عاشت الثقافة العراقية مراحل التحضير للحرب العدوانية الأخيرة، ثم زلزال الاحتلال، الذي جرى التحضير له على جميع الجبهات، ومنها الجبهة الثقافية طبعاً، وجرى شراء أسماء وأقلام كثيرة، بعضها أنجر وراء الكسب الرخيص، والبعض الآخر توهم الحرية والتحرر والديمقراطية، وكلها أوهام لم تصمد أمام حقيقة الوضع القادم. ومنذ ساعات الاحتلال الأولى، كان يجري تحطيم الأسس الثقافية، وفق خطط معدة مسبقاً، بشكل ممنهج في داخل الوطن، من خلال تحطيم المؤسسات الثقافية العامة، عبر نهب وتدمير وإحراق المتاحف ( خاصة جريمة تدمير المتحف الوطني ) والمكتبات، بكل ما تحتويه من أعمال نحتية تاريخية وكتب نادرة ووثائق ولوحات، أمام مرأى ومسمع جنود الاحتلال، في محاولة خبيثة لمحو الذاكرة الثقافية العامة، بعدها جاءنا سيل من الصحف والفضائيات التابعة للاحتلال، بل الناطقة باسمه، والصحف والمواقع والفضائيات الطائفية، ومحاصرة ومنع الفنون والآداب، تحت ذرائع بائسة وغريبة.
الآن وقد انقسمت الثقافة العراقية، الى ثقافتين، ثقافة وطنية، رافضة ومقاومة للاحتلال، وأخرى تتلطى تحت أذياله، بدرجات ونسب متعددة، وتسوق تبريرات فجة. وبينما الثقافة الأولى تنحاز للإنسان والوطن، وتدافع عن حرية الإبداع بجميع أشكاله، تبرز ممارسات متخلفة لا تحفل بقيم التقدم والتطور الإجتماعي والتاريخي الطبيعي، وثبت روح الطائفية والضيق بين الناس. وسيدور الصراع بين هذين الاتجاهين، وهو صراع قاسي وصعب، بسبب جهل ودموية وتخلف الطرف الآخر، وامتلاكه لإمكانيات السلطة المطلقة وميلشياتها، وهو يبطش بالثقافة الأخرى والطرف الآخر.
علينا أن ندافع عن الكلمة والفكر والثقافة، وعن اللون والطين، وعن النغم والموسيقى الراقية والرائعة، علينا أن نفهم ونستمع الى طبيعة الحياة، وطبيعة الإنسان، وطبيعة الاستمرار والتطور، وأن نرثي الكارثة.
2025-05-17
