تفاوت طبقي بالأرقام!
الطاهر المعز
أكّد تقرير “اللاّمساواة العالمية” الصادر عن اللجنة الاستشارية لمجموعة العشرين ( بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2025) إن نمو الثروة الخاصّة تجاوزَ بكثير نمو الثروات القومية العامة، فقد تضاعفت الثروة الخاصّة أكثر من خمس مرات بين سنتَيْ 1980 و2024، في حين لم ترتفع الثروة العامة سوى قليلاً، بل ارتفعت قيمة الدّيُون الصافية في العديد من الدّول، بما فيها الدّول الغنية، وتُشير البيانات التفصيلية للثروات الخاصة إن عددًا قليلاً من الأشخاص ( أو الأُسَر) تحتكر النّسبة الأهم من هذه الثروات، وتوجد هذه الفئة الأكثر ثراءً في الدّول الإمبريالية، فيما توجد المواد الأولية في البلدان الواقعة تحت هيمنة الدّول الإمبريالية، وبالتالي فإن توزيع الثروة العالمية يُشكّل صورة للإستعمار الجديد…
يؤكّد التقرير الصادر عن الدّول الغنية إن عدم المساواة أصْبَحَ، خصوصًا منذ بداية القرن الواحد والعشرين، يُشكّل تهديدًا لاستقرار البلدان والشّعوب، فهو يعكس خللاً اقتصاديا واجتماعيا يُهدّد بالإنفجار في أي وقت، بسبب تركيز الثروة لدى عدد قليل جدًّا من الأغنياء ( أي 1% من سكان الأرض) الذين استحوذوا بين سنتَيْ 1995 و2023 على 41% من الثروة الجديدة، فيما لم يحصل 50% من سكان العالم سوى على 1% من هذه الثروة، ويمتلك أعلى 10% من سكان العالم أكثر من 52% من الدخل العالمي، فيما لا تتجاوز حصة نصف سكان العالم 8%، ويمتلك أغنى 1% أكثر من نصف الأصول المالية في العالم، فيما تراجعت الأجور الحقيقية في “الأسواق الناشئة” بنسبة 25% منذ سنة 2019 مما يضطر الناس إلى اللّجوء للإقتراض، وهو خطر يُهدّد المنظومة المالية مثلما حدث خلال أزمة 2008/2009، وأصبحت 83% من الدول التي يسكنها 90% من سكان العالم، تُعاني تعميق الفجوة بين مواطنيها، ويتخوف مُعِدُّو التّقرير من “فقدان ثقة الناس بالنموذج الدّيمقراطي وبالمؤسسات التي تُشرف على إدارة شؤون الدّول الدّيمقراطية”، بسبب عُمْق الفجوة وعدم المساواة وانعدام العدالة الإجتماعية، كما يؤدِّي تزايد اللاّمُساواة إلى عُزُوف المواطنين عن المُشاركة في الإنتخابات، فقد تراجعت مشاركة الفئات الوُسْطى في الحياة السياسية للولايات المتحدة وأوروبا بنسبة تفوق 30% منذ بداية القرن الواحد والعشرين، مما يؤدّي إلى “تهديد الدّيمقراطية والنمو بفعل المُضاربة وعدم استثمار الأغنياء في الإقتصاد الحقيقي أو القطاعات المُنْتِجَة”، وفق التقرير، لأن الثروة تمنح أصحابها القُدرة على شراء الأصوات وشراء نواب المجالس التمثيلية وتوجيه الرأي العام بواسطة وسائل الإعلام التي يمتلكونها، مما يؤدّي إلى تطبيق برامج حكومية تخدم مصالح الواحد أو العشرة بالمائة ضدّ مصالح الأغلبية الساحقة من المواطنين الأوروبيين والأمريكيين، ويُبيّن التقرير إن نسبة 10% من الأغنياء تُساهم بنسبة تفوق 50% من تلوث المحيط، مقابل مساهمة أكثر من نصف سكان الأرض بنحو 12% من الانبعاثات الكربونية العالمية، كما يُشير التقرير إن نمو الناتج المحلي الإجمالي لا يعني القضاء على البطالة والفقر، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا جنوب الصحراء بنحو 4% سنويا خلال العقدَيْن الماضِيّيْن لكن لم يتراجع الفقر سوى بنسبة 2% لأن الأغنياء استحوذوا على 40% من المكاسب، وبالمقابل انخفض الفقر في بعض دول أمريكا الجنوبية التي حكمها اليسار الذي أَقَرَّ زيادة الإنفاق الإجتماعي والضريبة التصاعدية، واستخدمت هذه الدّول المبالغ الإضافية للجباية في الإستثمار في التعليم والصحة والتدريب والتّأهيل…
تُرَوّج الدّعاية الرأسمالية إن الفقر ناتج عن كَسَل الفُقراء أو عن سوء تصرّفهم في دخلهم، وفي الواقع فإن معظم الأثرياء ورثوا الثروة والإمتيازات، ولم يبذلوا جهدًا كبيرًا لنموها فهي تنمو بفعل المُضاربة وشراء العقارات والأسهم، وورثوا مع الثروة النفوذ السياسي والإعلامي الذي يمكنهم من التّأثير على السلطة التشريعية والتنفيذية، ويمكنهم هذا النفوذ من التهرب من الضرائب ومن تجاوز القانون، فيما ورث الفقراء الفقر واللاّمساواة المادّيّة والإجتماعية، وورثوا الحرمان من الدّخل والوظائف والسكن اللائق ومن الرعاية الصحية والتعليم الجيّدَيْن، وهي عوامل تُعمّق الفجوة الطّبقية، ولا يمكن الحديث عن العدالة والدّيمقراطية والمُساواة القانونية بين المواطنين في غياب التوزيع العادل للثروات التي يخلقها العمل، وليس المضاربة، وفي غياب توجيه الإنفاق الحكومي نحو القطاعات التي تخدم مصلحة أغلبية المواطنين، مثل خلق الوظائف والرعاية الصحية والتعليم والتّأهيل والسّكن اللاّئق والنّقل العمومي…
المصدر: تقرير اللجنة الاستثنائية لمجموعة العشرين من الخبراء المستقلين بشأن عدم المساواة العالمية – تشرين الثاني/نوفمبر 2025.
G20 Extraordinary comittee of independant exprts on global inequality – Summary and full report commissioned by the G20 South Africa Presidency – 03 November 2025
الفجوة الطّبقية في البلدان العربية
اتسعت حدّة التفاوتات في الثروة في البلدان العربية، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، بشكل يفوق كافة المناطق الأخرى من العالم، وفق تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2024، بعنوان «الاتجاهات غير المتساوية في تراكم الثروة في البلدان العربية»، ويعتبر مُعِدُّو التقرير إن تعميق الفجوة والفوارق في الدّخل بين الأثرياء والفقراء هو المُحرّك الأول للإنتفاضات التي شهدتها العديد من البلدان العربية، كالمغرب وتونس ومصر وغيرها سنة 2011، حيث نما متوسّط الثروة بوتيرة سريعة بلغت نسبتها 8,4% سنوياً في الفترة المُمتدة بين عامي 2000 و2010، بينما لم تتجاوز نسبة نمو الثروات في العالم نسبة 5,9% خلال نفس الفترة، واستمر نمو ثروة الأثرياء العرب، خلال الفترة 2010 – 2022، فيما ارتفعت وتيرة التّردّي الإقتصادي والإجتماعي والسياسي بفعل السياسات النيوليبرالية التي فرضها صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، أو بفعل التَبَنِّي الطّوْعِي للإتجاه النيوليبراي في بلدان أخرى مثل مَشْيَخات الخليج، وتأسّست هذه السياسات على خدمة مصالح الأثرياء، مما قَوَّضَ العديد من المكتسبات الاجتماعية وزاد من البطالة والفقر وتزايد اللامساواة من خلال التوزيع غير المتكافئ للثرة، فقد ارتفعت حصة أغنى 10% من سكّان البلدان العربية منخفضة الدّخل من 55,3% سنة 2000 إلى 58% سنة 2010، وإلى نسبة 64,2% سنة 2022، وارتفعت حصة أغنى 10% من سكّان البلدان العربية متوسّطة الدخل من 59% خلال الفترة 2000 – 2010 إلى 62,5% سنة 2022، وانخفضت حصّة أغنى 10% من سكّان البلدان العربية مرتفعة الدخل من 72,9% سنة 2010 إلى 69,9% سنة 2022، وفي المقابل انخفضت حصّة 50% من سكان البلدان العربية منخفضة الدخل من 9,8% سنة 2010 إلى 7,6% سنة 2022، وارتفعت حصة 50% من السكان الأفْقَر في البلدان العربية مرتفعة الدخل، بشكل طفيف، من 5,2% سنة 2010 إلى 6% سنة 2022…
تُشير بيانات “إسكوا” إن التفاوت الطبقي في البلدان العربية مجتمعة أهم من أي منطقة أخرى، ونُشير إن الوطن العربي يمتلك الرقم القياسي في نسبة البطالة والفقر والأُمّيّة، وازدادت نسبة المواطنين الذين يُعانون من هذه الآفات بفعل الحروب المفروضة على شعوب ليبيا وسوريا واليمن وفلسطين والسّودان، كما ازدادت في بلدان أخرى مثل المغرب وتونس ومصر، أي إن الأزمة هيكلية في هذه البلدان وليست ظَرْفِيّة طارئة، ولئن تمكّنت الجماهير التي انتفضت سنتَيْ 2010/2011 من تغيير رأس السّلطة، فإنها لم تتمكّن من تغيير النّظام، لأنها لم تكن مُنظّمة ولم تكن تمتلك برنامجًا بديلا ولا رُؤْية للتنمية، ولذلك تعمّقت الفجوة الطّبقية في جميع البلدان العربية…
المصدر
الإتجاهات غير المتكافئة في تراكم الثروة في المنطقة العربية – لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) كانون الأول/ديسمبر 2024
Unequal trends in wealth accumulation in the arab region – Unated Nations Economic ans Social Commission for Western Asia (UNESCWA) December 2024
2025-11-18