تبدل صفقة تبادل!
عمار يزلي
تُجمع كل التقارير الإخبارية العالمية على أن إعلان وقف إطلاق النار في غزة بات قريبا، بعد كل هذه النيران والجرائم والتقتيل العشوائي والإبادة الشاملة لأكثر من 14 شهرا: ماذا تغيّر حتى تتغير الأمور فجأة؟
أسئلة كثيرة تراود الجميع، غير أن أهمّ إجابة تكمن في اقتراب موعد 20 يناير، لكن هذا، ليس هو الجواب الشافي، إذ أن التساؤل هو: لماذا انتظر رئيس وزراء الكيان حتى اقتراب موعد 20 يناير من أجل أن “يلين قلب الوحش” ويناقش احتمال عقد صفقة الآن وليس حتى قبل أسابيع؟ هنا يطرح سؤال آخر: لماذا يقبل اليوم رئيس وزراء الكيان بمقترحات، حتى لا نقول “ضغط” ترامب، فلا أحد يضغط على الكيان “الكانيش” المدلل: لماذا الآن، وليس قبل؟ الأجوبة كثيرة أيضا والأسباب أكثر، لكن من بين أهم ما يذكر، التذكير بما يلي:
أولا: كان ترامب غاضبا جدا من نتنياهو إلى درجة أن هذا الغضب كان سيتحول إلى عداء أبدي، لولا فوز ترامب من جديد بولاية ثانية: فوز، لابد أن نقول صراحة أن يد نتنياهو الدامية وجرائمه في غزة كانت اليد الطولى في إعادة ترامب إلى سدة الحكم من جديد، رغم شيطنته العارمة قضائيا وإعلاميا، و”ملاحقة الساحرات له” أينما حلّ وارتحل، وكل محاولات منعه من الترشُّح، بل وسجنه أيضا.
رئيس وزراء الكيان، كان يعلم أن ترامب، بعد أن خسر الانتخابات ما قبل الأخيرة مع جو بايدن، في الظروف التي شهدها العالم والهجوم على الكابيتول، وعدم اعتراف ترامب بهزيمته ورفض النتائج وترويجه للتزوير وما إلى ذلك من خطاب الرفض، نتنياهو، كان أول المتصلين ببايدن يهنئه حتى قبل الإعلان عن النتائج النهاية رسميًّا. هذا ما جعل ترامب يشتاط غضبا بعد ما فعل ما لم يفعله أي رئيس أمريكي للكيان وقدّم له من الهدايا والعطايا وأكرمه بما لا يملك، لا هو ولا غيره، بالجولان وإعلان القدس عاصمة للكيان ونقل سفارته إلى إليها، ودعم “صفقة القرن”، وحملة التطبيع مع الجيران، وما إلى ذلك من الهبات والدعم غير المحدود لرئيس وزراء الكيان، غير أن هذا الأخير، قابل ترامب بالجحود في نظر هذا الأخير، عندما هنَّأ خصمه اللدود قبل غيره من الشهود، على التزوير والزور في نظر ترامب طبعا.
نتنياهو كان يعرف أن ترامب غاضب إلى درجة أنه لا يمكن رأب الصدع بينهما، لهذا، ولأسباب أخرى تخصُّه شخصيا، بما فيها الحفاظ على حكومة اليمين الداعمة له لتمنعه من السقوط واحتمال الوصول إلى السجن. كلا الأمرين ساهم في إطالة عمر الإبادة، وروح حيوانية ووحشية الانتقام بلا حدود، كما هي صفة اليهود، أوّلا من الدم الفلسطيني الذي جرح كبرياءه ومرّغ أنفه في الوحل والهزيمة النكراء عند انطلاق “طوفان الأقصى”. امتشق أولا “التوراة” وسارع إلى تنفيذ الوصية المنسوبة زورا إلى “يوشع”: الإبادة الدينية والعرقية.
ثانيا، إظهار القوة الغاشمة أمام جمهوره الداخلي والخارجي وأمام العرب والعالم، وأمام ترامب أيضا، كونه كان يريد أن يبرر له دعمه “التكتيكي”، لا الاستراتيجي لبايدن. في الواقع كان يريد أن يرسل رسالة “ولاء تام” وخضوع لترامب ويقدِّم له فوزا مستحقا، عندما لم يتنازل لبايدن، بل أهانه أكثر من مرة، حتى أن هذا الأخير وصف نتنياهو في جلسة سرِّبت، بـ”ابن الفاجرة”.
ترامب، فهم أن نتنياهو في الجيب الآن وقد صار خروفا وديعا بعد فوزه السَّاحق، والآن ما على نتنياهو الصغير، إلا الخضوع لمطالب صفقة “تبادل.. وقف إطلاق النار”.
2025-01-14