الدَّين الامريكي قنبلة غير محتملة الانفجار!
اضحوي جفال محمد*
وإنما مؤكدة الانفجار. ومن الشيّق كثيراً أن تراقب قنبلة وانت تعرف مسبقاً أنها ستنفجر، فيكون بوسعك تصويرها لتقتني باطمئنان اللقطة التي تمنحها المصادفات للمصورين. سيقول غير المطلعين على حجم الكارثة: من أين لك هذا التأكد! فأقول لهم: من ضخامة الداء الذي أعيى كل أطباء أمريكا السياسيين، وآخرهم طبيب الرقية غير الشرعية (ترامب):
وما في طبّهِ اني جوادٌ
أضرّ بجسمهِ طولُ الجِمامِ
تعوّدَ أن يغبّرَ في السرايا
ويدخلَ من قتامٍ في قتامِ
فأُمسكَ لا يُطالُ له فيرعى
ولا هو في العليقِ ولا اللجامِ
كما قال المتنبي في قصيدته التي قيلت مرتين بينهما الف عام؛ مرةً في حمى اصابته، واخرى في حمى الاقتصاد الامريكي.. وكلا الضحيتين يقول:
أراقبُ وقتها من غيرِ شوقٍ
مراقبةَ المشوقِ المستهامِ
فيصدقُ وعدُها والصدقُ شرٌّ
اذا ألقاكَ في الكُربِ العظامِ
الدين العام الامريكي يرتفع بمعدل مليار دولار كل سبع ساعات. وخدمة الدين، أي الفوائد المترتبة عليه تقترب من 800 مليار دولار سنوياً (%15 من مجمل الانفاق الحكومي). وهو لم يبدأ منذ عام او عامين وانما بدأ قبل سبعين عاماً وظل يتراكم حتى خرج عن مدى السيطرة وحدود المعقول، واصبح 37 تريليوناً تتزايد بسرعة البرق.
جميع الرؤساء الامريكيين السابقين مدركون لخطورة الآفة لكنهم يرحّلونها لخلافئهم بانتظام، فلا احد منهم يريد منازلة غول. حتى جاء ترامب وقال ان العناية الالهية اختارته لابادة الاغوال وجعل امريكا عظيمة من جديد.
وضع ترامب خطتين مترادفتين لحل الازمة المستفحلة، ولسوء حظه وحظ امريكا فشلتا معاً في وقت قياسي، فزاد فشلهما الازمة استفحالاً. الاولى، والمفرطة في الغباء، اعتقاده بالقدرة على اجبار العالم الخارجي ان يسدد ديون امريكا الاسطورية. ففرض رسوماً فاحشة على كل واردات البلاد ليسدد بها الديون فتعود امريكا عظيمة من جديد! حسَبها بطريقة أحمق يحسب مدخرات راتبه كم تبلغ بعد عام او عامين دون ان يسقط من الحساب صرفياته. ترامب تصرف وكأن الدول الاخرى لن تتخذ اجراءات مضادة لقراراته الاحادية، فلما زلزلته ردود الافعال أُسقط في يده وبدأ سلسلة التراجعات المهينة غير كاسب سوى الاوجاع الناجمة عن هذا الاضطراب الفظيع.
والخطة الثانية هي ما عُرفت بـ (الكفاءة الحكومية) التي أُوكلت مهمتها لـ إيلون ماسك، وهدفها خفض الانفاق الحكومي من خلال اغلاق بوابات الاسراف. فأدت الى تسريح آلاف مؤلفة من الموظفين، وكانت في طريقها لتشتيت آلاف أخرى عندما اصطدمت بالرأي العام والقضاء ودورة الاقتصاد فأدت فقط الى الطلاق بين أغنى رجل في العالم وأقوى رجل في العالم، وسنرى ارتداداتها وشيكاً.
الامريكيون، حتى العاديون منهم، مدركون تماماً للهوّة التي يتقدمون نحوها، وباتت حديث مجالسهم. لا أحد يقلل من شأنها الا العرب المتفيقهون، وحجتهم الدامغة أن امريكا هكذا منذ ان عرفناها، وستبقى هكذا.. مثل نبيه يؤكد أن هذا المريض لن يموت أبداً، بدليل أنه لم يمت حتى الآن.
مختبر التحليلات المرضية للاقتصاد الدولي هو مؤسسات التصنيف الائتماني التي بادرت منذ سنتين بخفض تصنيف الولايات المتحدة درجة، على اعتبار ان قدرتها في سداد ديونها ليست على ما يرام، وشكّل ذلك صدمة للاوساط المالية. وتدرس ذات المؤسسات الان خفضاً ثانياً للتصنيف الامريكي، والسبب المستجد علاوةً على السابق أن الدائنين بدأوا يرفعون ارقام الفائدة لوجود مخاطر على اموالهم التي يقرضونها للحكومة الفيدرالية الامريكية. وهذا يرفع وتيرة الاستدانة وسقف الفوائد المترتبة عليها في حلقة مفرغة تسرّع بالكارثة.
( اضحوي _ 2138 )
2025-06-09