الخلاف السعودي – الإيراني وشيعة الخليج
فؤاد إبراهيم
(1)
مذهبة الصراع السياسي بين إيران والسعودية ومن ورائها عدد من الأنظمة والنخب، تستهدف التشويش على رؤية الأشياء كما هي. وأمام دوامة المجون الطائفي، يتسابق مثقفون، شاءت فورة غرائزهم الانحياز الى الجبهة السعودية، وتغذية الساحة الثقافية والإعلامية بكل ما يزيد في انقسام الشعوب العربية والإسلامية عبر توظيف عناوين قومية وأخرى دينية وثالثة مذهبية.
متلازمة إيران فرضت عملياً الارتهان لمخاصمها، أي السعودية، بوصفه الراعي الجبري لخصومات إلحاقية على المستويات الخليجية والعربية والإسلامية.. وحتى الدولية.
يتحصّن جحفل من كتّاب ومثقفين بمبدأ «الموضوعية» والقراءة المتوازنة لمجريات الصراع، ثم ما يلبث أن يتحوّل حكماً، ليختم قراءته بتوزيع شهادات الوطنية لمن يشاء والخيانة والويل والثبور على من يشاء. يتقمص بعضهم دور «مثقف السلطة»، فيتلو، عبر صحفها، على خصومها أو من تعتقد هي أنهم كذلك «لائحة اتهامات» تبدأ بالتخوين وتنتهي بالتخيير بين التماهي مع السلطة مطلقاً حد العبودية أو الرحيل، وفي لحظة الجنون يصبح الإعدام خياراً ثالثاً.
الخصومة مع إيران تنسحب على مذهبها الشيعي وتالياً على كل المنتمين له، ولا سيما الشيعة العرب.
ما يلفت أن الذين يتناوبون على رمي الحطب في الجحيم الطائفي ينتمون الى طيف إيديولوجي متعدد، السلفي والقومي والليبرالي والوطني وحتى بعض المسيحيين العرب ومن عانوا من ويلات «الطائفية» يمدّون بما يطيل أمد الانقسامات الطائفية. للقومجي المرتهن للمال الخليجي، مقاربته للصراع الإيراني ـ السعودي، إذ يرى في التظهير المذهبي له شكلاً مضلّلاً، وإن ألقت المذهبية بثقلها على طرق التعبير عنه، فيما الحقيقة، كما يتخيّلها، تكمن في النزوع التوسعي الإيراني محمولاً على القومية الفارسية في مقابل الوهن العربي الذي سمح للإيراني استغلال استقالة النظام الرسمي العربي على مستوى الحكم، أي في بناء دولة المواطنة الرصينة والحقيقية وعلى مستوى الدفاع عن القضية الفلسطينية بوصفها امتيازاً عربياً خالصاً.
وبرغم من الإيحاءات السلبية التي تنجبها مقاربة من هذا القبيل لجهة تبرير التخلف والاستبداد، وتستحضر مرحلة كان فيها النظام الرسمي العربي يتلطى خلف شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» لتبرير تخلفه، واستبداده، وفساده، فإن المقترحات المأمولة في النظام الرسمي العربي بتحويل الدولة التسلّطية التي تماهي بين الدولة والسلطة الحاكمة، لتصبح دولة شراكة ديموقراطية وكذلك عودة العرب الى تبني فلسطين قضية عربية يجب الدفاع عنها في كل المحافل الدولية أمنيّة جامعة، ولا تتطلب «استوجاد» خطر إيران.
على العكس، لا بد أن تكون إيران هنا حافزاً على السباق نحو تطوير أنظمة الحكم لتكون أنظمة استيعابية وليست إقصائية، وتفسح في المجال أمام مشاريع تنموية في سياق خطة التنمية المستدامة، ودعم قوى المقاومة الفلسطينية لتحرير فلسطين..
على الضد، ما يجري على الأرض هو استبدال الصراع العربي ـ الإسرائيلي لتبرير الاستبداد والتخلف والفساد بالصراع العربي ـ الإيراني، وللغايات نفسها.
وليس صدفة علو نبرة الخصومة مع إيران بالتزامن مع الإخفاقات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية التي تتكبّدها السعودية ومن يدور في فلكها. ويمكن الجزم بأن هذه النبرة المتصاعدة لن تتوقف ما دام مسلسل الاخفاقات متواصلاً، بل سوف تبحث السعودية عن أي سبب لإبقاء نبرة الخصومة مع إيران مرتفعة بهدف احتواء أزمات داخلية بدرجة أساسية.
بكلمات أخرى، فإن النظام السعودي يعتمد سياسة الهروب الى الأمام للتغطية على فشله السياسي والاقتصادي من خلال تصعيد التدابير القمعية عبر شن حملات الاعتقال والإعدامات والتهويل ضد المواطنين، وافتعال مشكلات مع المكوّن الشيعي المحلي.
بعد إعدام الشهيد الشيخ النمر، أخذت سياسة الهروب الى الأمام منعطفاً حاداً، باعتماد خيار الخطوات الاستباقية عبر إحياء تراث الخصومة مع إيران منذ انتصار الثورة في العام 1979، وتضخيم حادث حرق السفارة والقنصلية.
في الأهداف، النظام السعودي أمام أزمة في الداخل اقتصادية وسياسية وأمنية، وأمام أزمة في الخارج إيديولوجية بضلوع عقيدته في الإرهاب، والمخرج لذلك يكمن في خلط الأوراق وإغراق الفضاء بكمية كبيرة من الكتابات والبرامج ضد الشيعة في الداخل وضد منافسها الإيراني في الخارج.
لاريب أن فشل الدولة العربية يشكل عنصراً ضاغطاً على جمهرة واسعة من المثقفين العرب الذين راهنوا عليها في توليد هوية وطنية مكتملة النمو وتحقيق الإشباع الكامل لما يتطلعوا إليه.
ولذلك، فإن جنوح بعض المثقفين السعوديين والخليجيين نحو الوقوع في «مصيدة» الخطابات الهالكة الفئوية والطائفية والعنصرية، تؤشّر الى أزمة هوية ووعي أكثر من كونها عاكسة لوعي متطوّر.
ما يصدر عن هؤلاء لا يمثّلهم بكل تأكيد، يمكن فحص ذلك بسهولة من خلال عقد مقارنة بين نتاجاتهم الفكرية (قبل وبعد). ولذلك، فإن ثمة حاجة للانفصال عن مركز الجاذبية الطائفية من أجل القيام بمراجعة نقدية تعيد النصاب لحركة تطوّر الوعي في مساره العربي والإسلامي قبل السطو الوهابي.
لا إيران ولا تركيا ولا باكستان ولا أي دولة تشكّل تهديداً لحركة الأفكار التنويرية والإصلاحية في العالم العربي عموماً، وإن الاحتجاج بالنفوذ الإيراني يغذي الثقافة الذرائعية التي تبرّر الاستقالة الفكرية، كما برّرت أموراً أخرى مثل الاستبداد، والتخلف، والانقسامات. فالخطاب الذي ينتج في الإعلام والثقافة والسياسة والدين في المجتمعات الخليجية لم تشارك فيه إيران، وهو خطاب لا صلة له بمشروع الدولة الوطنية، ولا التنمية المجتمعية، ولا رهانات المستقبل.
مقاربات متناوبة عن الشيعة العرب، أو «شيعة الخليج» وتفريعاتهم «شيعة السعودية» «شيعة الكويت» وما سواهم، تصدر عن خلفية اتهامية، تنسجم مع رغبة «الرعاة»، إذ إن «التبرئة» تفسد المأمول تحقيقه، لأن المطلوب تعزيز القطيعة، وأسباب التوتّر والخصومة. ما تنسجه خيالات كتّاب مقرّبين من مراكز الحكم حول «شيعة الخليج» تكشف عن نوع الصراع الذي يراد خوضه أكثر مما هو خلاصة مطالعات رصينة أو تجربة ميدانية طويلة ومباشرة.
من الناحية العملية، فإن الاستحضار الكثيف لشيعة الخليج في الصحف المحلية يتزامن مع تدابير قمعية ضدهم في أكثر من بلد خليجي (أحكام قاسية في الكويت على خلفية الاتهام بالتجسس لمصلحة إيران، ومحاكمات بالجملة ضد مواطنين شيعة من أرجاء المملكة السعودية بتهمة التجسس لحساب إيران، ومثلها في البحرين..)
وقد أعدّت وزارة الداخلية السعودية قائمة بأسماء ما يربو عن مئتي ناشط في الحراك الشعبي السلمي في محافظة القطيف تحت طائلة الإرهاب.
لم تقتصر آثار التحريض على المستوى الرسمي، فقد تعرّض فريق كرة اليد من بلدة القارة في محافظة الإحساء (ذات الغالبية الشيعية) للاعتداء من قبل لاعبي وجمهور نادي النجمة في القصيم (ذات الغالبية الوهابية) بعد تعادل الفريقين وتقدّم «القارة» عليه في مباراة جرت على ملعب نادي «النجمة» في 22 كانون الثاني الجاري.
ومنذ قيام السلطات السعودية بتنفيذ أحكام الإعدام بحق رجل الدين الشيخ نمر النمر في 2 كانون الثاني الجاري وعدد آخر من الناشطين في الحراك الشعبي منذ 2011، قرّرت تصعيد إجراءتها الأمنية في المناطق ذات الغالبية الشيعية، وقامت بحملة استدعاءات لرجال دين وناشطين وإبلاغهم بالتوقف عن مزاولة أي نشاط سياسي واجتماعي أو الاعتقال تحت طائلة الإرهاب.
ما يظهر من مجمل تصرفات الحكومات الخليجية، والسعودية على وجه الخصوص، أن ثمة إصراراً كيدياً باستجلاب إيران كشماعة لتسويغ سلسلة الإجراءات القمعية ضد المكوّنات الشيعية، كتبرير الدمار الهائل الذي تلحقه الطائرات الحربية السعودية باليمن بدعوى محاربة إيران.
في حقيقة الأمر، إن استدعاء إيران في كل مناسبة هو رغبة سعودية، كما كان استدعاء الصراع مع الكيان الإسرائيلي ضرورة عربية، لا بمعنى التماثل بين إيران وإسرائيل ولكن من حيث الوظيفة التي يؤدّيانها سعودياً وعربياً، أي إيران كما تريد السعودية استغلالها لقمع مواطنيها الشيعة، والتعمية على إخفاقاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية.
ولذلك، فإن التحشيد المتواصل والمفتعل ضد إيران على خلفية حرق سفارة آل سعود وقنصليتهم في طهران ومشهد في رد فعل على مقتل الشيخ الشهيد نمر النمر لا يمكن تفسيره، برغم إدانة كل القيادات العليا في إيران لفعل الحرق، سوى أن غاية أخرى تكمن وراء إبقاء إيران في دائرة الخصومة الدائمة.
(2)
لم تكن علاقة المكوّنات الشيعية في الخليج مع ايران ملتبسة بالقدر الذي هي عليه الآن بسبب بلوغ الخلاف السعودي الايراني الذروة، إذ جرى تشويه العلاقة والذهاب بها الى ما ينسجم مع الصراع السياسي بين ايران والسعودية على النفوذ في المنطقة.
إن التطابق المذهبي أو حتى المرجعية الفقهية بين مكوّنات شيعية في الخليج مع ايران لا يعني مطلقاً خضوع هذه المكوّنات سياسياً أو حتى ثقافياً.
ويمكن المحاججة بأنه لم يظهر من هذه المكوّنات ما يفيد بالتماهي مع ايران، كما تفعل أحزاب وتيارات سياسية خارجية في بلدان عربية مثل لبنان واليمن والمغرب وباكستان وغيرها كانت ترفع في الميادين العامة والشوارع صور أمراء آل سعود خصوصاً (الملك وبن نايف وبن سلمان) وشعارات سياسية ترقى الى مستوى مبايعة هؤلاء والإدانة لهم بالطاعة والولاء.
السعار الطائفي الذي تفصح عنه مقالات كتّاب الصحف المحلية في السعودية ودول خليجية عبر عناوين لاهبة ومباشرة موجّهة للشيعة، وبقدر ما يرفع منسوب الاحتقان والتوترات الاجتماعية والأمنية، فإنه يكشف عن أزمة عميقة في الدولة الخليجية التي تضطر للاحتماء بخطاب الانقسام في مواجهة استحقاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية لا يمكن تأجيلها أو الهرب منها سوى عبر هذا النوع من خطاب اللادولة/الطائفة.
النصائح الملغومة والكيدية التي يطلقها كتّاب محليون لمن يصفونهم «العقلاء» و «المعتدلين» في المكوّنات الشيعية تؤشر الى تدهور خطير، ليس في مزاولة حرية التعبير بل في اعتناقها، لأن «المجانين» و «المتطرّفين» وفق السياق الذي تسدى فيه النصائح هم من خرجوا في شوارع القطيف وطالبوا بإصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية، وهم من سقطوا برصاص قوات الداخلية، أو تعرّضوا للاعتقال، ومنهم من تمّ إعدامه أو صدرت بحقه أحكام بالإعدام في محاكمات سريّة وصورية.
من هؤلاء سقط نحو 30 شهيداً لم يحمل سلاحاً، وكان سلاحه الكاميرا، ولم يعرف أرباب النصائح الملغومة هويات هؤلاء الشهداء، ليس لأنهم مجهولون، ولكن لأن وظيفة الأرباب تجهيل الرأي العام. وفيما أبقى هؤلاء عشرات الآلاف من الناشطين الذين خرجوا في تظاهرات سلمية منذ آذار 2011 وحتى اليوم خارج دائرة الضوء والكاميرا، حضر المندّسون وهم قلّة بكثافة عالية في كتابات «الناصحين» ليفرضوهم ممثلين حقيقيين عن الشيعة في المملكة السعودية.
والهدف واضح: نفي الحراك المطلبي السلمي في المملكة وتشويه صورته وتبرئة السياسة القمعية ضد الناشطين بتصنيفهم في خانة «الارهابيين».
ما يلفت الآن أن لوثة الطائفية انتقلت من الدوائر السلفية الوهابية، لتشمل ليبراليين وعلمانيين، بل المضحك ان أقلاماً لكتّاب مسيحيين عرب أصيبت هي الأخرى بها.
لحسن الحظ وسوء الطالع لن يواجه المراقب صعوبة في العثور على أمثلة للاستدلال، فلا تكاد تخلو صحيفة محلية من مقالة أو أكثر يخرج فيها أصحابها أسوأ الشرور الكامنة في النفس البشرية.
الإعلام والشحن الطائفي في تبرير لبروز المخبوء الطائفي على طريقة جمال خاشقجي (لا أريد أن أكون طائفياً، إنني أكره نزعتي الطائفية المتنامية، ولكنك لا تساعدني ـ الحياة 21 حزيران 2013)، يكتب خالد الفضلي مقالة بعنوان «التشيع ليس خيانة للأوطان» (عكاظ 12 كانون الثاني 2016)
يخلص فيه الى جعل الانتماء للمذهب الشيعي مكافئاً للخيانة للوطن الا ما خرج بالدليل، فيما يخيّر علي سعد الموسى من وصفهم في أكثر من مقالة «سدنة الخطاب الشيعي» في المملكة مرة بإدانة ارتكابات الحشد الشعبي في ديالى العراقية لإثبات وطنيتهم في السعودية، في مقايضة مع إدانته من موقعه السنّي للهجمات الارهابية في القطيف والدمام والإحساء (صحيفة الوطن، 7 كانون أول 2015، 11 كانون الثاني 2016).
أما الكاتب المتنكب من السلفية المتطرّفة الى السلطوية المتطرّفة منصور النقيدان، فاختار للشيعة في المملكة السعودية فرصتهم الأخيرة في التماهي مع السلطان وإدانة الحراك المطلبي في القطيف للتعبير عن مطالب كان النقيدان في يوم ما نصيراً لها، ومن بينها حرية التعبير التي أرغمه غيابها في مملكة الصمت للهجرة الى الجوار الخليجي (عكاظ، 4 كانون الثاني 2016).
وتمثّل مقالة محمد العوين في صحيفة «الجزيرة» في 23 كانون الثاني الجاري بعنوان «يا شيعة العوامية والقطيف تبرأوا من سفهائكم» ذروة الصرعات الطائفية في مطالبته الشيعة، مثقفين وأعيانا وأكاديميين وكتّابا بالظهور عبر القنوات التلفزيونية وإعلان «تبرؤهم من سفهائهم وإرهابييهم كما تبرأنا نحن السنة من سفهائنا وإرهابيينا»، والا فإن الصمت يعني «التأييد الضمني لجرائم هؤلاء الغلمان الإرهابيين»، وختم بالتلويح باستعمال القوة.
العوين، شأن الموسى والنقيدان، يميل الى إعادة انتاج الرواية الرسمية في توصيم الناشطين في الحراك الشعبي المطلبي بالإرهاب ومساواتهم بالمقاتلين في صفوف «داعش» و «القاعدة» كونهم ينتمون الى جمهور السلطة وعقيدتها الوهابية.
وفي كل الاحوال، فإن السلطة السياسية، صانع الرواية الوحيدة عبر إعلامها، تدافع عن نفسها عبر خلط الأوراق في ظل انتقادات على مستوى الـعالم لدور الوهابية كأيديولوجية مشتركة بين النظام السعودي والتنظيمات الارهابية.
خلق مناخ الاستقطاب والشحن الطائفي مزاداً مفتوحاً لصاحب كل بضاعة يجد في النظام السعودي زبوناً مؤكّداً أو محتملاً. ولأن الشيعة في الخليج هم الحلقة الأضعف من وجهة نظر تجار الكلمة وجهة الاستهداف التي تستجلب الرزق، أطلق بعض الأقلام أقصى خيالاته لنسج قصص حول «خيانة» الشيعة في الخليج لأوطانهم لمصلحة ايران.
مثال: كتب سركيس نعوم في جريدة «النهار» سلسلة مقالات ينال فيها من الشيعة في الخليج عموماً والسعودية على وجه الخصوص في سياق الصراع السعودي ـ الإيراني.
في مقالته «أميركي «لشيعة السعودية».. الآن وقت تحرّككم» المنشور في 21 كانون الثاني الجاري، كشف نعوم عن جهل بأركان الرواية الكاملة، فضلاً عن تاريخ الشيعة في السعودية والقوى السياسية والاجتماعية الناشطة، وديناميات عملها وطبيعة علاقاتها مع الداخل والخارج.
استحضر العامل الخارجي (الاميركي والإيراني) لإثبات شبهة العمالة للخارج، وأن الحراك المطلبي ليس أصيلاً وأن مفاتيحه خارجية، قاطعاً صلته مع سياق «الربيع العربي» الذي طاف على كل بلدان الشرق الأوسط بنسب متفاوتة.
الطريف أن استعجاله في عرض البضاعة دفعه للتخبط في سرد الإسم الوحيد في القصة المفبركة، فقد اختار للشيخ حسن الصفار إسماً آخر وهو «حسين النشار». وزاد الطين بلة، أن ثمة بليداً لفت نظره للخطأ، فغيّر الإسم الثاني وأبقى على الأول، وبرّر ذلك بضعف ذاكرته في الأسماء (لا حرب مباشرة في الخليج.. بل اشتباكات بالواسطة!، النهار 22 كانون الثاني 2016).
التهمة الرائجة: إيران وبصورة إجمالية، يعتصم أكثر من يقاربون المسألة الشيعية في المملكة والخليج عموماً بالتهمة الرائجة بأن إيران هي من تحرّك الشيعة في المنطقة الشرقية للخروج في مسيرات مناهضة للنظام السعودي.
يقفز هؤلاء على حقائق التاريخ والجغرافيا والسياسة، وكأن المنطقة الشرقية لم تحتضن حركات الاحتجاج بكل أطيافها الايديولوجية (القومية و «البعثية» والناصرية واليسارية وحتى الاسلامية في نسختها العراقية) منذ خمسينيات وصولاً الى سبعينيات القرن الماضي، بل حتى بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران، لم تشارك أي من قياداتها في تنظيم أو توجيه انتفاضة المنطقة الشرقية في محرم من العام 1400 للهجرة/كانون أول 1979، ولو ثبت لما تردّد وزير الداخلية آنذاك الأمير نايف في التصريح بذلك.
وقد بات معلوماً أن النظام السعودي ومن يدور في فلكه وبوحي من هواجسه التي تجدّدت وتعاظمت مع دخول الاتفاق النووي بين ايران والغرب حيز التنفيذ، بات يتصرف بجنون الخائف على مصيره، وراح يبطش بكل ما يملك من قوة للتمويه على ضعفه وفشله وهزيمته. في النتائج، ما يفعله النظام السعودي اليوم هو معاقبة المواطنين الشيعة على انتصار ايران، التي نجحت في كسب جولة المفاوضات النووية مع الغرب واستطاعت انتزاع اعتراف بحقها النووي.
من جهة ثانية، إن خشية آل سعود من تثمير إيران للاتفاق النووي والانفتاح على الغرب من خلال تعزيز نفوذها السياسي في المنطقة يدفع النظام الى تضييق الخناق على الشيعة في هذه المنطقة، وعليه فإن من يتعمد الربط بين شيعة الخليج وايران ليس الشيعة، وإنما هو النظام السعودي نفسه الذي يزيد في وتيرة تدابيره القمعية ويواصل سياسات التهميش والإقصاء ضدهم، وبالتالي هو من يريد رؤيتهم في هيئة طابور خامس لإيران كي يضفي مشروعية على وجوده ودوره القمعي والإلغائي..
:::::
“السفير”،
http://assafir.com/Article/471768