الأرض والفلاح في سوريا ( الحلقة – 5)!
إعداد : علي رهيف الربيعي*
وإضافة لهذا الوضع الاقتصادي المتردي في الريف السوري خلال عهد الانتداب الفرنسي، فقد تعرض الريف السوري إلى الكثير من الضغوط السياسية والمالية ، نتيجة نتيجة مساهمة مناضلي الريف في النضال ضد الاستعمار الفرنسي، والأمثلة عديدة على ذلك ، يقول الدكتور عبد الرحمن الكيالي في كتابه المراحل ” ( ١٩٢٦ – ١٩٣٩) الجزء الثاني :
” لم يكن في صندوق الدولة دراهم للنفقات ، فصدرت الأوامر بتحصيل الأموال الاميرية الباقية والقديمة قسرا وجبرا، وما مضى قليل من الايام حتى كانت العساكر الملس ( عساكر ضباط الاستخبارات) والدرك ، وهي كلها مؤتمرة بأمر الفرنسيين تجوب القرى لتجمع الأموال مع الجباة، تبيع الحيوانات وتحجز العلف والمؤونة ، بلا رحمة ولا هوادة، إلى أن جمعت لبيت المال المقدار المطلوب.. “.
وحين تمكن الفرنسيون في نهاية المرحلة الأولى من ثورة الشيخ صالح العلي من الثورة ، قام الجيش الفرنسي بتحصيل الضرائب عن ٣ سنوات، وكان الفلاحون يبيعون ماشيتهم ، وقسما من أراضيهم للتسديد، وكان الجباة يجبرون من لا يجدون عنده شيئا على تأجير بناته لبعض أثرياء المدن، كما يروي السيد عبد اللطيف اليونس في كتابه ثورة الشيخ صالح العلي ( ص١٧٨).
وهكذا فقد تعرض الريف السوري ايام الانتداب الفرنسي إلى شتى انواع الضغوط والنهب، ( وتحمل غرامات بمئات الوف الليرات الذهبية العثمانية، مما أضعف التراكم في مناطق الاضطرابات إلى زمن طويل) (1).
وقد اتسمت فترة الانتداب بانتعاش الارستقراطية البدوية ، وبدء نزوحها إلى المدن (2) من خلال سعي عهد الانتداب إلى كسب ود زعماء العشائر، ومنح بعضهم الأراضي الواسعة، وجعلهم جزءا من الطبقة الحاكمة وكان الهدف من ذلك توسيع قاعدة السلطة الاستعمارية في البادية وعلى اطرافها . أما جماهير البدو الرحل، ونصف الرحل ، والافلاحون البدو ، فقد خضعوا لاستثمار رهيب من جبهات متعددة وهي :
1- الارستقراطية البدوية من أمراء ومشايخ ورؤساء عشائر، وهذه الارستقراطية كانت تجمع من البدو ” ضريبة” عرفت بأسم حق الشيخ.
2- تجار المدن وطفيلييها، الذين نهشوا البدو واستثمروهم بطرائق متعددة، فالتجار كانوا، ولا يزالون يبيعون البضائع المصنوعة من نسيج وسواه، إلى البدو بالسعر الذي يضعه التجار دون نقاش ، لأن البدوي بطبعة ” لا يفاصل”. ثم يشتري التجار من البدو الصوف والسمن بأسعار رخيصة جدا، ويبيعونها بعد فترة بأسعار عالية ، وهكذا كان التجار يربحون ، ولا يزالون من البدو بيعا وشراء ، وهؤلاء المساكين يعملون طول السنة في ظروف قاسية وصعبة لينعم تجار المدن وحواشيهم.
3- اغنياء الفلاحين استثمروا البدو أيضا، عن طريق استخدام عدد منهم لرعي مواشيهم لقاء اجر لا يساوي إلا جزءا زهيدا من الجهد المبذول.
4- الرأسمالية الفرنسية بصفتها الدولة المنتدبة، التي كانت تستثمر الشعب بمجموعه، ومن ضمنه هذه الفئة المسحوقة من البدو.
كان البدو، ولا يزالون ، أكثر الشرائح الاجتماعية تعرضا للاستثمار، ومع ذلك فإن احساسهم الطبقي كان معدوما، أو يكاد، نظرا لثقل التقاليد البدوية الموروثة ، والجهل المطبق، وظروف الحياة القاسية، التي يحيونها وهم لذلك أكثر الفئات الجتماعية تخلفا. وقد اتخذ البدو تجاه الحركة الوطنية مواقف متناقض، فتارة يؤيدون الثورات الوطنية ( حبا بالنهب كما ينهبهم البعض) وطورا يقفون ضدها دون أن تكون ثمة ضوابط لذلك (3).
يتبع…
المصادر :
(1) أضواء على الرسمال الأجنبي في سورية. د. السباعي مرجع سابق.
(2) القضية الزراعية والحركات الفلاحية في سوريا ولبنان ( ١٩٢٠ – ١٩٤٥) القسم الثاني. د. عبد الله حنا. دار الفارابي، بيروت ١٩٧٨.
(3) منير الحمش، تطور الاقتصاد السوري الحديث، دار الجليل، دمشق.
2025 /11 /12