الأرض والفلاح في سوريا ( الحلقة – 3)!
إعداد : علي رهيف الربيعي*
يرجع اهتمام فرنسا ، بالزراعة في سورية، إلى تاريخ يسبق تاريخ التسابق الاستعماري في أثر انتهاء الحرب العالمية الأولى ، لاقتسام النفوذ في المنطقة العربية ، وقد بدأ هذا الاهتمام فعلا عندما كانت المناطق السورية تزود صناعة النسيج الحريرية في ليون بفرنسا، بانتاجها خيوط الحرير.
ففي بداية القرن العشرين كان أكثر من ٩٠ ٪ من حرائر سورية تذهب إلى فرنسا ، وكان تجار ليون يقدمون إلى الزراعين التمويل ويسيطرون على الزراعة وعلى مصانع الشرانق ( الحلالات) وعلى التسويق وتأمين البذور ((1) ورغم ان الصناعة في ليون كانت تعتمد من حيث الكمية على حرائر الشرق الأقصى ، إلا أنه ابتداء من عام ١٩٠٣ بدأت هذه الزراعة بالتراجع.
إن المخطط الموضوع من قبل رجال الأعمال الفرنسيين لإعادة رسم العلاقات الزراعية بما يخدم اهدافهم ، يقوم على اساس اسلوب التحسين النوعي في أساليب الزراعة ، اي المشروع التقني في ” رسملة” الريف . لكن المشروع الرأسمالي هذا يتطلب قرارات تنخرط في مشروع سياسي ، هو انشاء دولة حديثة برجوازية على النمط الأوربي ، وهذا بدوره يتطلب وجود قوى منتجة قادرة على التصدي للقوى الاجتماعية المعيقة للمشروع الزراعي يقترحه خبراء الرأسمالية الفرنسية.
فكيف اذن يمكن أن يحقق هذا المشروع ؟… يجيب على ذلك الدكتور كوثراني (2) بأن أداة التنفيذ هي الإدارة الفرنسية للبلاد، وهذه الإدارة لها مشروعها السياسي ” الخاص الذي يتطلب اولا وقبل كل شيء ” ضبط ” الأوضاع في سورية وقمع أو استيعاب القوى المعارضة والرافضة للدخول” الأجنبي “.
وهذا يعني تناقضا لابد أن يقوم بين متطلبات الهيمنة للمشروع السياسي ، وبين متطلبات ” التحديث ” البرجوازي للمشروع الاقتصادي. ولهذا فقد أعطت الإدارة الفرنسية الأولية للمشروع السياسي الذي اقترح من قبل الدبلوماسية الفرنسية والذي يقوم على اساس استيعاب الفئات الاجتماعية ( الطوائف، الاعيان، المدن، القبائل) وتأطيرها في أشكال من الادارات والاستقلالات المحلية، مما يعني ان التحول في اشكال الملكية الزراعية ( انشاء ملكيات فلاحية) والتحول في العلاقات الاجتماعية ( تحرير الفلاحين المرابعين) اصطدما بحاجة الإدارة الفرنسية إلى التحالف مع القوى التي يمكن أن تمسها قرارات ” التحديث” الاقتصادي.
وبقي الريف السوري طيلة ايام الحكم الفرنسي التي امتدت ٢٣ عاما على ماهو عليه من علاقات الإنتاج اللارأسمالي، دون أن يتمكن الرأسمال الأجنبي من اجراء تحويل جذري في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية في الريف. وبقيت جماهير الفلاحين خلال هذه الفترة عاجزة عن تطوير القوى المنتجة وعن تصفية بقايا العلاقات الاقطاعية الموروثة عن الماضي السحيقة، وعن استبدالها بعلاقات رأسمالية متطورة . وهذا يعني كما يقول الدكتور بدر الدين السباعي (3) : أن المتنفذين والاقطاعيين كانوا يخرجون دائما من عملية الإنتاج المتجدد، خلال هذا الزمن مالكين للقسم الاعظم من وسائل الإنتاج والمنتوج، في حين يخرج الفلاحون، من عملية الإنتاج ، دوما، حائزين للقسم الاقل من وسائل الإنتاج والمنتوج. ” وقد كان يمكن للنظام الاقطاعي ان يصفي في الريف السوري لو كانت جماهير الفلاحين تملك القدرة السياسية والإرادة السياسية على ذلك، ولكن العلاقات الرأسمالية في البلاد المتطورة والاستعمار الفرنسي كانا يحولان دون ذلك، نظرا لارتباط مصالحها ببقاء العلاقات الاقطاعية في الريف السوري.
يتبع…
المصادر :
(1) بلاد الشام. السكان، الاقتصاد والسياسة الفرنسية في مطلع القرن العشرين قراءة في الوثائق الفرنسية. د. وجية كوثراني، صادر عن معهد الإنماء العربي ١٩٨٠.
(2) نفس المصدر.
(3) أضواء على الرأسمال الأجنبي في سورية ( ١٨٥٠ – ١٩٥٨) الدكتور بدر الدين السباعي، إصدار دار الجماهير دمشق.
(4)منير الحمش، تطور الاقتصاد السوري الحديث، دار الجليل، دمشق
2025 /11 /09