الأرض والفلاح في سوريا ( الحلقة – 2 )!
إعداد : علي رهيف الربيعي*
وفي عهد الاحتلال العثماني أصبح حق التصرف للأفراد بمثابة حق الملك من حيث الإستثمار والتاجير والرهن والتنازل والبيع .. إلخ. مع استمرار بعض الفوارق البسيطة، ومنها ان حق التصرف يسقط بعدم استعمال الأرض لمدة خمس سنوات، تعود بعدها الأرض للدولة ، ومنها أيضا عدم جواز وقف هذه الأراضي لأعمال البر والمشاريع الخيرية وبناء المدارس والمستشفيات والجوامع وغير ذلك ، إلا بعد موافقة الدولة.
وبذلك تم تحويل كثير من الأراضي الاميرية إلى أملاك وقف ، وقد أصبح الوقف وسيلة لخلق الملكيات الزراعية الكبيرة ودعمها ، وخاصة ما كان يسمى منه الوقف النهري (1).
وبذلك أصبح الوضع القانوني للأراضي يشمل الأراضي الملك ، والأراضي الاميرية والأراضي الموقوفة .
واخيرا كان هناك املاك الدولة الخاصة التي كانت تشكل في الأصل املاك الحاكم الإسلامي ، وكانت تشكل مساحات واسعة في سورية ، حيث خصص السلطان عبد الحميد لنفسه حوالي ١١٠٠ قرية، وكان يوزعها على المقربين والموالين والانصار المشهود لهم بالطاعة والاخلاص، وما يتبقى من هذه الأراضي كان يستثمر من قبل إدارة خاصة ملحقة مباشرة بالسلطان دون أن يكون للحكومة اية علاقة بها ، أما عائداتها فكانت تخص للسلطان.
وعند قيام الحكم الدستوري في تركيا عام ١٩٠٨ استولت الحكومة التركية على هذه الأراضي وسمتها الأراضي المدورة ، حيث انتقلت ملكيتها فيما بعد الي الحكومات العربية بعد التحرير من الحكم العثماني.
وهكذا نجد أن النظام العقاري في سورية كان إلى عهد قريب غاية في التعقيد، لأنه يشكل تراكمات من أشكال الملكية والعلاقات مع الأرض تورثتها اجيلا عديدة ، وقد بقيت البلاد حتى عام ١٨٥٨ بدون اية سجلات عقارية رسمية. وفي تلك السنة قرر الحاكم العثماني تأسيس مصلحة للسجل العقاري اسماها الدفتر خانة . غايتها توضيح الوضع العقاري وتوزيع سندات التمليك لكل مالك الأرض خاصة أو اميرية . إلا أن أحداث هذه المصلحة سمح للمزيد من الفوضى والاحتيال. فقد فسره اغلب الفلاحين الجهلة على أنه إجراء للمزيد من جمع الأموال والضرائب فلم يقدموا على تسجيل ملكياتهم. مما أدى إلى تسجيل مساحات شاسعة من الأراضي باسم كبار المتنفذين وشيوخ العشائر ، بصورة اعتباطية وبحجة التصرف بها أو تملكها في السابق ، تحت تأثير الرشوة والنفوذ.
وصدر في عام ١٨٦٨ القانون العقاري العثماني الذي شجع الوجهاء والملاك المتنفذين على اغتصاب اراضي الفلاحين وصغار الملاك الذين يملكون أو يتصرفون بالأرض على الشيوع. والمادة الثامنة من هذا القانون كانت تحرم الملكية الجماعية للأرض ، وتتضمن عدم جواز تسجيل الأراضي المشاع المستثمرة من قبل مجموعة من الأفراد باسم المجموعة بكامل اعضائها، وتوجب التسجيل باسم فرد واحد من المجموعة. وهكذا فإن احد الوجهاء في المجموعة يتولى في الغالب عملية التسجيل باسمه بالاتفاق مع أصحاب العلاقة ، وفي اغلب الاحيان كان يتم ذلك دون اتفاق ، مما يؤدي إلى تحويل ملكية الأرض قانونيا ثم عمليا من ملكية جماعية مشاعة إلى ملكية فردية خاصة كبيرة .
وكان من نتيجة ذلك أن اكتسبت هذه الأوضاع الظالمة، طابعا قانونيا ” نظاميا” واضيفت صفة الشرعية على الملكيات الزراعية الفردية الكبيرة التي تكونت بأساليب وطرق ابعد ما تكون عن الشرعية الحقيقية.
يتبع..
المصدر :
(1)تطور الاقتصاد السوري الحديث، منير الحمش. دار الجليل.
(2) الأرض والإصلاح الزراعي في سورية . عبد الهادي عباس دار اليقظة بدمشق.
2025 /11 / 08