كاظم الموسوي
رحل الرفيق العزيز صاحب جليل الحكيم، ابو هادي، بعد معاناة مع الامراض المنتشرة في “العراق العظيم”!
ونشر خبر عنه، تداوله الرفاق والاصدقاء يوم 25 ايلول/ سبتمبر 2021، بالمفردات المكررة، له الرحمة والذكر الطيب، لاهله ولرفاقه واصدقائه الصبر والسلوان.
ولد الراحل في مدينة النجف الاشرف يوم 3 ايلول/ سبتمبر 1933، وكتب في حياته ومذكراته فيها الوجه الاخر .. من العائلة الدينية المحافظة الى الانتماء للفكر الشيوعي، ومن ثم نشط مناضلا في صفوف شباب المدينة وحركتها الوطنية وقاد العمل الحزبي فيها لسنوات عديدة، قابلها ما كابده في السجون والتعذيب والملاحقات وقمع السلطات التي حكمت العراق، عداءا للشيوعية والمناضلين من اجل العامل والفلاح، وفي سبيل وطن حر وشعب سعيد..
صمد وصبر واعطى كل ما استطاع لقناعاته، وواصل خطواته في التنظيم والعمل السياسي ويوميات الكفاح الوطني، مخلصا، وفيا، مضحيا، كريما، ونبيلا طبعا..
حين تلتقيه يشعرك بروح الرفقة والمودة وحسن التصرف والشهامة.. ويترك عندك شعور الارتياح والتذكر لتلك الايام والسنوات، في المدن العديدة، ومنها دمشق وصوفيا وبغداد، ولما حملته من عبء الصراعات وغدر المفارقات ورائحة الدم والموت وهموم الاجيال والفقدان والحرمان والمنافي..
في مذكراته (النجف، الوجه الآخر، محاولة استذكار) التي صدرت ببغداد (2011) ما استذكره من الوجه الاخر لمدينة النجف الاشرف. وأراد من التسمية ان يقول ان هذه المدينة التي يرقد في جنباتها الامام علي بن ابي طالب (ع) وملايين المسلمين في اكبر مقبرة في العالم، وادي السلام، وما يعرف عنها، لها وجه يحاول سرده وربما قد يضيف لها ما يتطلبه الشأن والمقام في التاريخ والانسان. وقبل هذا السرد كتب عن المدينة والطفولة وبواكير النشاط السياسي والوطني. وداخل مدينة معروفة بمجالسها الادبية والسياسية، ومجالس العلماء والمجتهدين والمقلدين، وشيوخ العشائر المنتمين للاتجاهات السياسية المتباينة، والأحزاب والمنظمات السياسية والمدارس الدينية والمكتبات وتقاليد المجتمع المختلط بين تلك التيارات والمؤثرات والتطورات، كان للحركة الشيوعية والديمقراطية مجالاتها التي اعطت لها وجها اخرا للمدينة وكان للمناضل المؤلف سيرته وخطواته فيها. ثبتها على غلاف الكتاب تحت صورته الشخصية، كنبذة مختصرة، جاء فيها انه بدا نشاطه السياسي في سن مبكرة نهاية اربعينات القرن الماضي. انتسب الى الحزب الشيوعي العراقي في بداية الخمسينات، وبسبب نشاطه السياسي والحزبي تعرض لملاحقة الاجهزة القمعية وسجن مرات عديدة. وكان سكرتير محلية النجف من نهاية 1959 والى منتصف 1962 وعضو لجنة منطقة الفرات الاوسط لاحقا ومنسق العمل التنظيمي لمنطقة الفرات الاوسط. وعضو لجنة منطقة بغداد من عام 1972 ومسؤول المكتب التنظيمي لمنطقة بغداد حتى سنة 1978. وغادر الوطن ليكون مسؤولا عن المنظمة الحزبية الشيوعية العراقية في سوريا ومن ثم في بلغاريا. وكان قد عمل في الكفاح المسلح في كردستان – العراق سنة 1983 وفي داخل الوطن حتى عام 1985. ودرس في موسكو في اكاديمية العلوم الاجتماعية قسم التاريخ والفلسفة سنة 1970. وهذا اختصار بتواضع لسيرة حياة حافلة بالكثير ولنضال رجل عرف عنه ايضا الكثير.
تحمل في مسيرته كغيره ما تحمله الشيوعيون في العراق وغيرهم من اضطهاد السلطات وتعسف الحكومات وتناقض الصراعات و”ظلم ذوي القربى”!. وفي تلخيص اخر لما اورده في المقدمة، وضح ان “من المفيد ان اذكر المحطات النضالية الرئيسة التي مررت بها، التي قسمت الكتاب على اساسها: فترة البدايات والى يوم ثورة 14 تموز 1958، وفترة الايام الاولى لثورة تموز والى يوم الاعتقال في شهر اب 1962 وفترة الاعتقال والسجون التي مررت بها والى يوم الخروج من السجن سنة 1965. وفترة الخروج من السجن والعمل في منظمات بغداد وحتى الخروج من الوطن في نهاية سنة 1978. وفترة العمل في الخارج، ومن ثم العمل في كردستان العراق وفي داخل الوطن. وفترة العودة الى كردستان قادما من الداخل ثم العمل في الخارج والى يوم كتابة هذه المحاولة من الاستذكار”. ومن هذه الفترات ما تغطي مسيرته في الحياة والعمل الحزبي وما استذكره منها في الكتاب، وهي تشرح المكان والزمان الذي عاشه. متنقلا من ما بدأه عن مدينته الاولى الى مدن اخرى، مبتعدا عن الوجه الاخر الى وجوه اخرى لمدن وساحات بعيدة عنها بحكم الالتزام والواجب الحزبي، كأي مناضل شيوعي في العراق… وانه اعتمد على الذاكرة لما عاشه ورفاقه من ظروف التحولات العراقية. كما ان ما كتبه وهو خارج وطنه، ليس من السهل عليه توفير مصادر ومراجع ووثائق وغيرها، إلا انه استفاد مسترجعا مما كتبه رفاق له وأصدقاء اخرون وحركوا لديه دافع المراجعة وتسجيل شهادته هو الاخر ايضا. فهناك كثير من المتشابهات بينه وبين العديد من الرفاق الاخرين الذين سطروا ما لديهم من سيرة ومذكرات. سواء الذين عمل معهم في منظمات واحدة او في اطار العمل الحزبي عموما. وهي فترات ومراحل وسمت صفحات تاريخ الشعب العراقي في صراعه الوطني وتطلعاته نحو التحرر والحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة الانسانية.
ابو هادي، (وهذا واحد من اسمائه الحركية والحزبية الكثيرة)، المولود في بدايات شهر ايلول/ سبتمر والراحل عنا بعد كل تلك السنوات في نهاياته… وداعا.