لماذا علينا ان نكره ايران؟!
عارف معروف*
كتب احد الاعلاميين العراقيين على صفحته الشخصية ، وكأنه يصل الى سرّ الاسرار ويكشف الغطاء عما لم يسبقه اليه انسان : ان ايران لن ترد وستكتفي بحربها الاعلامية فيما يتحمل التضحيات ” وكلائها ” العرب ، واذا ردت فأن الرد سيكون استعراضيا وباتفاق وترتيب بينها وبين اسرائيل وامريكا !
ان هذا النوع من الكتابات والاراء ، والذي تمتليء به صفحات التواصل الاجتماعي والكثير من وسائل الاعلام ، هذه الايام ، يصدر ، غالبا ، عن كراهية وتشكيك واضحين ودائمين بايران وأي كان موقفها او رد فعلها او تصرفها ، وقد رأينا ذلك سابقا ، فإن لم ترد قيل انها متآمرة وان ردت كان الرد محور غمز ولمز وتشكيك وقيل انها متواطئة !
وهو يعكس ، ايضا ، موقف و طبيعة اهتمام بعض آخر ، غير العقلاني ولا المسؤول ، من امر مصيري وحدث خطيرقد يمس بآثاره حياة واستقرار المنطقة وشعوبها لأنهم تعّودوا وتربوا على السلبية وعدم الفاعلية فيصدر عنهم في كل حدث يحتاج الى مشاركة وتضحية ما يصدر عن الجيف : روائح عفنة وتحلل مؤذي ! ، ناهيك عن موقفهم اللامبالي ، اصلا ، من قضية محورية في صراعات المنطقة ومصائرها هي القضية الفلسطينية ، ومن عدوان همجي يستهدف بالابادة وجود شعب شقيق باطفاله وشيوخه ونسائه على مرأى ومسمع من عالم لا يكاد يكون مكترثا .. . انهم يكتبون ويراهنون بخفة ، كأنهم مشجعو كرة قدم في مباريات للدوري يتلهفون على الاهداف والأشواط ومن سيسجل هدفا ومن سيخيب ومن سيخرج في نهاية المباراة فائزا او خاسرا !
انها ليست مباراة ولا مراهنات ولا تسالي لفارغين وتافهين يتعفنون في كراسيهم ويراقبون ليس العالم بل وحتى الارض التي يقفون عليها ، اوطانهم ، من خلال الكي بورد !
بل هي مواجهة خطيرة ومصيرية بين قاعدة عدوانية عنصرية مدججة بالسلاح والمال خُلقت اصلا لقمع والسيطرة على شعوب المنطقة والتحكم بمصائرها مدعومة من شركاء اصلاء تعنيهم تلك السيطرة وعملوا على ترسيخها عقودا طويلة من الزمن بكل الوسائل ، من جهة ، وبين شعوب تعرضت للغزو والعدوان وصودرت اراضيها من خلال استعمار استيطاني اجرامي جاء بالمستوطنين من كل بقاع الارض ليحلوا محل شعب اعزل ويصادروا اراضيه وثرواته بل ويهددوا وجوده ومستقبل ابناءه وشعوب وقوى ترتبط معه بوشائج انسانية وتريد نصرته في استعادة حقه كما انها تسعى الى حقها الطبيعي في الحياة والاستقلال والبناء والتطور ضمن رؤاها واستنادا الى حاجاتها الفعلية من جهة اخرى …
من هنا يتعيّن على الانسان الواعي لضرورات وجوده واستمراره ومصلحته ان يناصر ويدعم الشعوب والدول والقوى التي تخوض هذا الصراع من اجل التحرر من قوى العدوان والاستيطان والهيمنة والتحكم وبغض النظر عن الاختلاف القومي او الديني او المذهبي او حتى السياسي لان ما يجمع هنا هو اطار انساني عام ومصيري يتجاوز هذه التناقضات الثانوية جميعا ولذلك فانا غير معني هنا بهوية ايران او حزب الله او انصار الله او حماس المذهبية ولا انظر هنا لاختلافي مع اي منهم في هذه الجزئية او تلك ، التي ربما كان لها اعتبار اكبر عندي في زمن آخر وعلى صعيد آخر ، ولكن هنا والآن ، نحن بازاء عدوان همجي يطال شعب اعزل ويستبيح دماء اطفاله ونساءه وشيوخه دون وازع من انسانية او مانع من ضمير ، نحن ، هنا والآن ، امام دعم اجرامي لآلة القتل والاجرام من دول وقوى لم يعرف عنها ، طوال التاريخ الحديث اهتمام بجانب انساني او مراعاة لقيم اخلاقية !
لذلك ينبغي علينا ان نكون مع هذه القوى المقاومة والرافضة ومع دعمها غير المشروط في معركتها هذه ويهمنا انتصارها ونفرح لتطويرها قدراتها ونحزن اذا ما اوذيت من قبل قوى البغي و العدوان هنا او هناك كما يتعين علينا ان لا نشمت بها ولا نبحث معها، الان وفي هذا الظرف ، عن الهفوات والاخطاء . ونتطلع ونتمنى ان يكون ردها على العدوان قويا وفاعلا ومؤثرا لكننا لا نضع انفسنا مكانها او نفرض تقديراتنا عليها، بل نترك تقدير هذه الامور لقادتها الميدانيين والسياسيين فنحن لم نعط ما اعطى ويعطي الفلسطينيون في غزة من تضحيات جمة ولا نواجه ما يواجهون من مخاطر مميتة في التصدي لعدو مجرم مدجج باحدث تكنولوجيا السلاح المدمر ، لكي نعرف مالذي عليهم فعله هنا او هناك لانهم اعرف بواقعهم واكثر قدرة بما لا يقارن مع اي احد آخر على تقدير الموقف السليم وتحديد طبيعة الرد المناسب كما ان دوافعم للرد والضرب والانتقام هي اقوى واكثر جديّة بما لا يقاس من دوافعي ودوافعك !
ونحن لم نضحي بما ضحى ويضحي به حزب الله ، من مئات الشهداء من خيرة شبابه يوميا ولا نعاني من ضغط عوائل الجنوب التي تُهجر او تُدمر بيوتها وممتلكاتها ولذلك فان دوافع حزب الله للانتقام والثأر والضرب هي اقوى بمليون مرة من دوافعي ودوافعك لكنه اعرف ، مني ومنك ، بميدانه وأعلم بقدراته واكثر تدقيقا في مواجع العدو واكثر الماماً بامكانات هذا العدو وحلفاءه وتهديداته … وبالمثل فايران دولة تتعرض منذ اربعين عاما للحروب بنوعيها المباشرة وبالوكالة و للحصار و وللتآمر وللعدوانات المستمرة وللاغتيالات التي تطال سياسييها وقادتها العسكريين وعلماءها ويتعرض امنها واستقرارها لتهديدات وللاعتداءات تكاد تكون يومية وهو ما يصدق على اليمن وكذلك على قوى المقاومة الحقيقية والنزيهة في العراق ، الذين هم اعرف بقدراتهم على الرد واكثر التصاقا بدوافعهم للانتقام ، كما انهم اعلم بالميدان وبقدراتهم وممكناتهم وكذلك قدرات وممكنات العدو ، ولذلك فهم من سيحدد بدقة توقيتات معركتهم واماكن ووسائل ضربهم …
لم يكن لكراهية ايران او فوبيا ايران وجود قبل ثورتها 1979 واعلان موقفها من امريكا واغلاقها لسفارة الكيان الغاصب واعلان نصرتها ودعمها لفلسطين وكان العرب يتغنون بقوة الشاه ككلب حراسة لمصالح الامبريالية في المنطقة ويبدون انبهارهم من احتفالاته الاسطورية الباذخة في ذكرى تأسيس سلالة قورش التي صرف فيها المليارات على حساب شعب فقير وجائع وتزدحم مجلاتهم بصور طليقته “ثريا ” ثم من بعد ذلك صور زوجته ” الامبراطورة ” فرح ديبا بل ويسارع ملوكهم وحتى رؤسائهم الى ابداء ايات التوقير للامبراطورة بل وللاحتفال حتى بالامير الصغير، ابنه ، فيستقبل استقبال الفاتحين كما حصل في مصر السادات !
لكن كل ذلك قد انقلب بين يوم وليلة ما ان اعلنت الثورة الايرانية مواقفها من اسرائيل وامريكا والقوى الخاضعة في المنطقة وشرعت في سيرها نحو البناء المستقل ، عند ذاك انطلقت باتجاهها كل الشرور التي يحويها كيس الساحر الشرير : شيعة ، ملالي ، مجوس يريدون احياء عبادة النار تحت ستار الاسلام ، حاقدون و متآمرون على مجد العرب منذ القادسية ، ثم …عنصريون يريدون بناء امبراطوريتهم من خلال وكلائهم وأذرعهم !
في الواقع ان كل هذا كان يمكن ان يحدث ضد تركيا او افغانستان او مصر او حتى السعودية او حتى جزر الواق واق لو ان اي منها قد انتهجت ما انتهجته ايران من سياسات ومواقف ولكان التحريض الاعلامي العالمي والمحلي يعبئك الان بالضد من تركيا “اللعينة ” التي دمرت مجد العرب واستغلتهم واستعمرتهم لقرون طويلة وضيعت كل فرصهم المستقبلية او اصولها الطورانية البعيدة عن الاسلام اوعنصريتها وكراهيتها للامم الاخرى…الخ او ضد مصر التي سيخرج الحاوي من صندوقه ما لانعرف من اسباب للكراهية ودوافع للضغينة وقس على ذلك بالنسبة لكل دولة او أمة تتبنى نهجا سياسيا مستقلا وتنشد السيادة والبناء بعيدا عن هيمنة امريكا والغرب ومهادنة عملائهما في المنطقة وتتبنى موقفا يرفض العدوان الصهيوني ويدعم الحق الفلسطيني ….
لذلك فعليك ان تسأل عقلك قبل كل شيء : لماذا عليك ان تكره ايران وتشكك بمواقفها وتتحسب من ” موآمراتها ” او موامرات اتباعها ، برغم كل هذه المواقف الواضحة والتضحيات الجمة والدماء الغزيرة، ولصالح من ؟ ماهي طبيعة المعركة الجارية في المنطقة الان ، ومن هو المستفيد من التحريض على هذه الكراهية والمواقف المسبقة ؟! هل هي مصلحتك الوطنية والقومية الحقة ام مصلحة وارادة الكيان الصهيوني وامريكا والغرب وعملائهما ؟!
2024-08-11