حرب إيران وإسرائيل وصدام الشرق والغرب!
مصطفى السعيد
الحرب بين إيران وإسرائيل قابلة للتجدد، ولم يكن وقف العمليات العسكرية سوى هدنة، يحاول كل طرف فيها علاج جراحه ونقاط ضعفه التي ظهرت في الجولة الأخيرة، التي تدخل فيها الرئيس الأمريكي ترامب لوقف تمددها وكبح تصاعدها، ليمنع المزيد من إنزلاق الولايات المتحدة إلى حرب ستنهكها في كل الأحوال، لتصبح عاجزة عن صراعها الرئيسي مع الصين وروسيا، وكان للتفاهمات الأمريكية الروسية الدور الأكثر فعالية في إعلان الهدنة، لكن لماذا تورط ترامب في شن هجمات على المنشآت النووية الإيرانية، بعد أن كان يعارض المشاركة الأمريكية في هجمات مشتركة مع إسرائيل ضد إيران؟ يمكن أن تكون مناورة للخداع، وإن كان من المرجح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أقنع الإدارة الأمريكية أن الوقت مناسب لتوجيه ضربة مدمرة إلى إيران، وأن أجهزة المخابرات الإسرائيلية بالتعاون مع مخابرات حلف الناتو قد أنجزت الكثير، وأنها ستوجه ضربات قوية ومميتة إلى الداخل الإيراني، ستشل نظامها السياسي وقدراتها العسكرية، بما يسهل إسقاط النظام الإيراني، وأن كلا من إسرائيل والولايات المتحدة وحلف الناتو ستحقق مكاسب استراتيجية. نتنياهو المنزعج من القوة الإيرانية، التي ازدادت صلابة باتفاقيتي التعاون الإستراتيجي مع الصين وروسيا، وإنضمامها إلى منظمتي البريكس وشنجهاي، والغموض الذي يحيط ببرنامجها النووي. كما يرى نتنياهو التراجع الذي يعاني منه الغرب أمام القوى الصاعدة، مما جعله يراهن على “حرب وجودية” وأعلن أنه سيكمل مخططه لتغيير الشرق الأوسط، ليضمن بقاء إسرائيل حتى لو تراجع الغرب، ويرى أن ضمان بفاء إسرائيل مرهون بأن تنفرد بالقوة والسطوة على المنطقة بأكملها، خاصة الدول الكبرى في المنطقة، ومنع أي دولة في المنطقة من إمتلاك مقومات القادرة على التصدي للحلم الصهيوني. وتلاقت أهداف نتنياهو مع الرؤية الأمريكية، التي ترى أن سقوط إيران سيكون ضربة قوية لكل من الصين وروسيا، فمن شأن إنهيار إيران أن يجعل الخاصرة الجنوبية الرخوة لروسيا منطقة نفوذ لحلف الناتو، تستنزف فيها روسيا، وأن توقف ممر شمال-جنوب، الذي يربط سان بطرسبورج الروسية بشواطئ إيران الجنوبية بخطوط برية وحديدية، تمكن روسيا من التواصل مع آسيا وأفريقيا بشكل سريع وآمن، في ظل المخاطر التي تهدد إطلالتيها على بحر البلطيق والبحر الأسود نتيجة الحرب الأوكرانية المستعرة للعام الرابع. كما سيؤدي انهيار إيران إلى قطع أهم شرايين مشروع “الحزام والطريق” الصيني، وخطوطه البرية والحديدية الممتدة من الصين إلى أوروبا عبر وسط آسيا. وبهذا أصبحت المواجهة الإيرانية الإسرائيلية ثاني جبهات الإشتعال بين المحورين الشرقي والغربي، بعد أوكرانيا وقبل تايوان الجاهزة للإنفجار قس أية لحظة، وأصبحت مكتظة بالقطع البحرية، والمناورات والقواعد العسكرية.
السباق على الإستعداد للجولة الثانية من القتال بين إيران وإسرائيل بدأ سريعا، وتوجه وزير الدفاع الإيراني إلى العاصمة الصينية فور وقت القتال، والمؤكد أنه سيطلب إمدادات بمنظومات صينية متطورة للدفاع الجوي، قادرة على كشف وإسقاط الطائرات الشبحية، وكذلك طائرات صينية ثبت تفوقها في المعارك الجوية بين باكستان والهند، ولدى الصين طائرات أكثر تطورا من الجيل الخامس الشبحية، والمزودة بصواريخ ورادارات تتفوق على مثيلتها الغربية، وقائمة أخرى من الأسلحة التي تضمن لها القدرة على مواجهة إسرائيل وحلفائها، وسد الثغرات في دفاعاتها التي ظهرت في الجولة الأخيرة، ومن المرجح أن تطلب إيران من روسيا دفعات إضافية من الأسلحة، خاصة منظومات الدفاع الجوي والطيران، ومن الصعب أن تتباطأ روسيا في دعم طهران التي زودتها بالكثير من الطائرات المسيرة والصواريخ وذخائر المدفعية في حربها مع أوكرانيا، وفي المقابل ستسعى إسرائيل إلى إعادة رتق قبتها الحديدية، وتوفير احتياطيات كافية من صواريخ ومنظومات الدفاع الجوي، التي كانت تعتقد أنها تشكل حماية كاملة لها من أي صواريخ أو طائرات، وثبت عجزها عن تأمين الحماية التي كانت تظنها، وأصبحت مدنها ومراكز صناعاتها الحربية ومواقعها العسكرية وبنيتها التحتية تحت طائلة الصواريخ الإيرانية، بل كادت تنفذ صواريخ القبة الحديدية في ظل الإسراف في إطلاق أعداد كبيرة منها على كل صاروخ إيراني، وكادت تصبح مكشوفة تماما أمام الصواريخ الإيرانية إذا امتد زمن المعارك، وهو ما دفع الرئيس ترامب لطلب وقف الحرب. لكن هناك ما يعوق تكرار المعارك بنفس الطريقة السابقة، فهناك مخاوف أمريكية جدية بأنها ستدفع ثمنا باهظا لتدخلها المباشر في حرب لن تكون قصيرة كما كانت تعتقد، بل ربما تتوسع الجبهة لتشمل مناطق واسعة في الشرق الأوسط ستغرق فيها القوات الأمريكية، خاصة أن إقتصادها ومجمعها الصناعي العسكري لا يتحملان القدرة الإنتاجية الكافية لخوض معارك طويلة، كما أن الغموض مازال يحيط بقدرات إيران النووية، وهناك تقديرات متضاربة حول إنتاج إيران لأسلحة نووية، فهل يتمكن ترامب من لجم نتنياهو، والحد من تهوره؟ أم سينجر طواعية أم كرها إلى حرب لا مفر منها ستكون فاصلة بين مرحلتين في تاريخ البشرية؟
الاهرام
2025-07-05