باسمة البغدادي – أم فرح: أيقونة عراقية مناضلة سكنت الوطن في المهجر ولم تسكن الغربة!
بقلم: البرفيسور وليد الحيالي
في الزمن الصعب، حيث تتناسل المنافي وتشتد وطأة الغربة، تبرز شخصيات استثنائية تزرع جذورها في الوطن رغم ابتعاد الجسد، وتحمل قيمه في الذاكرة والضمير. من بين هذه الشخصيات، تلمع سيدة عراقية اسمها باسمة البغدادي، المعروفة بـأم فرح، معلمة من النجف ، ومناضلة شيوعية حملت هموم وطنها في المنفى، وظلت وفيّة لقيم العدالة والمساواة والانتماء الحقيقي.
غادرت أم فرح العراق في منتصف سبعينيات القرن الماضي، حين كانت الملاحقات والاعتقالات تطال الأحرار من أبناء الوطن. اختارت المنفى لا هربًا من النضال، بل حفاظًا على كرامة الإنسان ومبادئه. استقرت أولًا في الجزائر، حيث وجدت دفء العروبة واحتضانها للمنفيين، قبل أن تحط رحالها في هولندا، لتكمل مسيرتها هناك من دون أن تفتر جذوة الحنين أو ينكسر عنفوان الروح.
في هولندا، لم تكن مجرد مغتربة، بل كانت بيتًا مفتوحًا لكل العراقيين، لا سيما مناضلي اليسار والمهمشين والمقهورين. مع زوجها العزيز أبو فرح، الذي لا يزال حيًا، شكّلا معًا خلية محبة ومقاومة، صامدة، مؤمنة بأن الوطن ليس مجرد جغرافيا، بل قضية لا تغيب عن الضمير.
كانت أم فرح تحيا العراق في تفاصيل يومها: في لهجتها الكربلائية الأصيلة، في طعامها، في حكاياتها، في حزنها العميق حين يرد خبر عن شهيد أو معتقل، وفي ضحكتها التي تشبه مقاومة عنيدة للعتمة. لم تفقد الأمل يومًا رغم خيبات الوطن المتتالية، بل كانت تتنفسه كما لو أنه لا يزال حيًا في كل خطوة.
معلمةٌ كانت، ولا تزال في الذاكرة، تزرع الكلمة الحرة في تلاميذها وأبناء جيلها من المغتربين. تعلمهم أن النفي لا يعني نهاية الرسالة، وأن الغربة قد تكون معبرًا نحو وطن أكثر عدلًا، نُبنيه في قلوبنا قبل أن نحلم به في الجغرافيا.
باسمة البغدادي – أم فرح، ليست فقط رمزًا نسويًا للمقاومة، بل مثالٌ حي على نقاء الموقف وثبات الانتماء. امرأة جسدت الوطن في الغربة، فاستحقت أن تُرفع صورتها إلى جانب أعلام العراق المناضل.
سلامًا لها، وهي بيننا، رفيقة طريق وعنوان وفاء.
وسلامًا لأبو فرح، الذي يواصل حمل شعلة هذا الوفاء بصبر المناضلين.
2025-06-19