منهج التحليل النفسي في السياسة …. 3!
ياسر عرفات.
واحد من أكثر الحكام العرب تأثراً بأهوائه الذاتية في سلوكه السياسي . تاريخه في قيادة الشعب الفلسطيني هو سجل نوازع شخصية لا مسير ثورة ، او هو صراع مستمر بينهما . لقد كان مع الثورة بل قطبها الأوحد قرابة الأربعين عاماً . ومع ذلك نستطيع القول بثقة انه في واد والثورة في وادٍ آخر . لذلك فإن ساحة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الحقيقية لم تكن جبهة قتال وانما مختبر تحليلات مرضية . فمع كل العظمة الأسطورية لكفاح الشعب الفلسطيني ضد محتليه لم يكن للمواجهات العسكرية الفعلية من نصيب سوى الثلاث سنوات التي أعقبت هزيمة حزيران وانتهت بمجازر أيلول . وما عدا ذلك عمليات متباعدة تنفذها فصائل مختلفة كثير منها لا ينتمي لفتح او هجمات فردية تحسب على فتح دون ان تأتمر بأمرها .
عرفات أسوأ قائد لأعظم ثورة في التاريخ . ولن أتطرق لعلامات الاستفهام الكثيرة التي تلقي بالشكوك على مصداقية إخلاصه للمقاومة الفلسطينية مكتفياً بالأخطاء والانحرافات الناجمة عن طغيان الرغبات الخاصة على مصير الثورة . سأتجنب نصف القضايا المثيرة للجدل كي أتفرغ لنصفها الاخر .
ما كان عرفات مقتنعاً بإمكانية الانتصار على اسرائيل في هذا العصر . وتبعاً لذلك لم يكن مؤمناً بالكفاح المسلح وسيلةً للتحرير . ومن الطبيعي في هذه الحالة ان يتجه الى البديل . والبديل هو العمل السياسي لإقامة الدولة على جزء من ارض فلسطين . فهو وبالتأكيد لم يكن ذلك الفدائي المستعد للموت في سبيل قضيته . غير انه كان مستعداً للتضحية بكثيرين ليصبح بفعل دمائهم حاكما عربيا كبقية الحكام . بيد أن تجيير دماء الفلسطينيين لهذا الغرض يتطلب مستوىً رفيعا من التمثيل والتقمص ، وهو ما برع فيه وأجاده الى حد انه وبعد عقود من وفاته سيصبح نجم الشاشات في أعمال فنية تجسد مدى قدرته على الخداع .
نحن اليوم نطرح تصورات شاذة عن السياق نستنبطها استنباطاً من سير الأحداث دون ان نمتلك الوثائق الكافية لإثباتها . وسيأتي يوم تصبح فيه من المسلمات عندما تبدأ مذكرات معاصريه ، خصوصاً من الطرف الآخر ، بالسطوع كالشمس لتكسح ما في واقعنا المزري من ظلمات .
الذي يحرك عرفات من الداخل هو رغبته الجامحة في ان يحكم كغيره من الحكام العرب . ذاك هو منتهى طموحه وهدفه السياسي . ولا شك ان شخصاً بهذا التعطش للسلطة دكتاتور متجبر . لذلك كان مستعداً للقبول بأي جزء من الارض الفلسطينية مهما كان ضئيلا ليقيم عليه دولة مهما كانت شوهاء ومنزوعة الكرامة . ومستعد ان يتنازل عن كل شيء مقابل هذه الكذبة المسماة دولة .
إلا انه ، وهنا المصيبة ، لم يكن مستعداً للإنتظار حتى تسمح الظروف بقيام الدولة المرتجاة ، فقرر ان يقيم دولة مؤقتة حيثما حل ، في الاْردن او لبنان او تونس . يحمل سجونه والسجناء معه الى تلك الدول ، وأجهزة مخابراته التي همها الاول التجسس على الفلسطينيين لا على الاسرائيليين ، وتعتقل وتخطف وتعذب وتغتال . تلك صفحات موغلة في بشاعتها من التاريخ النضالي لشعب فلسطين . وسنذكر نماذج منها في المنشورات القادمة للتوضيح وليس الحصر .
وفي المنشور القادم من هذه السلسلة سنشرح الكيفية التي تعاملت بها اسرائيل مع شخصية عرفات .
( ابو زيزوم _ 728 )
2019-10-21