الانتخابات العراقية … 4!ابو زيزوم
التعمية
اذا كنت راغباً في انجاز عمل حساس وتعلم انه سيلقى معارضة ممن حولك وتستطيع تنويمهم او سلبهم البصر فهل تفعل ذلك ام لا !. أتكلم في مجال السياسة وليس الاخلاق . الجواب المؤكد لا يتم الإحجام عن قرار كهذا لمجرد اعتبارات اخلاقية . وفي عراق ما بعد 2003 يوجد بين السياسيين من سعى لبناء دولة صحيحة بشكل او آخر ، فهذا هو الطبيعي والذي ينشده عموم الناس وكثير من السياسيين باعتباره بديهي . لكن هذا المسعى تصادم مع المخطط الايراني . فإيران عملت جاهدة لإبقاء العراق منطقة نفوذ لها . ولا يمكن المواءمة بين الحالتين ، حالة ان يكون العراق دولة مستوفاة الشروط وان يكون في نفس الوقت منطقة نفوذ لمدة طويلة . لكن منع قيام الدولة سيواجه بمعارضة شديدة من قبل تيارات سياسية مختلفة ، ويكون خطاب هذه التيارات مؤثراً في الشارع ولدى المجتمع الدولي . وسيفرض الواقع على دعاة الدولة التوحد ويحصلون على دعم داخلي وخارجي كبير يضع المشروع الايراني في خطر . لذلك وللتغلب على تلك المعارضة المرتقبة فُتح باب الفساد بلا حدود ، وتحول بسرعة الى عملية نهب كبرى لجميع ثروات البلاد . وهل هناك ما يعمي البصائر اكثر من المال ؟. فالانسان العادي الذي يفوز في الانتخابات البرلمانية ولديه نوايا حسنة في خدمة الوطن ، ويتطلع في المستوى الشخصي على راتب مرتفع وجملة امتيازات الا انه وقبل ان يؤدي القسم وينال العضوية يحصل على نصف مليون دولار هبة من جهة لا تطلب منه في المقابل سوى ان يكون عضواً في كتلتها . ينسى الراتب تحت صدمة النصف مليون دولار غير انه ينسى هذا المبلغ ايضاً بفعل صدمة اخرى تصعقه بمليون دولاراً من جهة اخرى . ثم تتضاءل جميع تلك الاموال ازاء الصفقات لمن يدخل عالمها .
لا أعمم والدنيا لا تخلو من نجباء ذوي ارادة جبارة ، لكن ما عساه ان يفعل النجيب الفرد وكيف يستطيع التجذيف بين امواج الدولارات المتلاطمة !. والذي اريد الوصول اليه من وراء هذا السرد هو ان الفساد في العراق قرار سياسي متّخذ على أعلى المستويات ، ويشترك فيه عدة اطراف ابرزها ايران بهدف إلهاء المعترضين بأنهار من ذهب . وهكذا سكت الجميع وأصبح الحديث عن الفساد يشبه الهذيان يردده الجميع ويمارسون الفساد في نفس الوقت لتفقد المفاهيم معناها ودلالاتها . الى درجة ان احدهم قال في حديث متلفز انه اخذ رشوة عن قضية واحدة مليوني دولار !. قال ذلك بمنتهى الصلافة ليقينه بأن هذا الاعتراف لن يترتب عليه عواقب .
الامريكان طرف اساسي في نشر الفساد لكن اعمالهم تلك غير نابعة من خطة سياسية متكاملة . وهم أساساً لا يملكون خطة لما بعد احتلال العراق وانما مجموعة رؤى متفرقة ومتعارضة أحياناً وأغلبها ظرفي ، لذلك فشلوا ونجحت ايران . والطرف الثالث هو الاشخاص المستفيدون من عمليات الفساد ، هؤلاء بشر تم استنفار كل عوامل الدناءة في نفوسهم فتحولوا الى لصوص وفعلوا الفعائل بهذا الاتجاه بصرف النظر عن ماضيهم الذي لم يكن هكذا او بعضهم على الاقل . وهم فئتان : فئة الوافدين مع الاحتلال والتي تحدثتُ عنها في منشور سابق بعنوان ( محاولة تحليل تفشي الفساد في العراق ) خصصته لتفسير دوافعهم الذاتية نحو التحلل الخلقي . وربما وجدوا في الاوامر الايرانية تسويغاً شرعياً لنزعة الجشع في الصدور . وفئة الصاعدين الجدد الذين تتلمذوا على أيدي اولئك فأصبحوا مثلهم وزيادة .
واذا اردنا برهاناً على ان الفساد قرار سياسي يكفينا أن أحداً من السياسيين الكبار لم يحاسَب حتى الان رغم الفظائع المرتكبة . حتى الذي اعترف بلسانه انه استلم الملايين رشوة لم يكدر خاطره مكدر . من هنا نقول ان سياسيي الدرجة العليا قد لا يكون بعضهم فاسداً وانما يشجع على الفساد خدمة للعقيدة السياسية التي يؤمن بها . وللفساد أهداف اخرى غير الإفساد وغير الانتفاع الشخصي نتجاوزها كي لا يطول المقال اكثر من اللازم ، ولننتقل في المنشور القادم الى ركن آخر من اركان المشروع .
( ابو زيزوم _ 1100 )
2021-09-24