وصول اليمين المتطرف في إيطاليا إلى سدة الحكم، ليس تباشير تمرد على الأنظمة القائمة في أوروبا فحسب، بل هو اعتراض حضاري انساني بكل أبعاده، على البنية الاجتماعية السائدة في أوروبا.
حيث كان من أهم مطالب رئيسة الوزراء الجديدة، إعادة العائلة، وتبني الأسرة المكونة من أب وأم وأولاد، وهذا اعتراض جوهري بنيوي، على الحياة الاجتماعية السائدة في أوروبا، التي تتبنى المثلية الجنسية، والتي تكاد تطيح بالأسرة.
كما هو اعتراض على التبعية الأوروبية المطلقة لأمريكا، التي تخلت عن سيادتها منذ الحرب العالمية الثانية، وأعطت لجام قيادتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي أمرتها بمحاربة (روسيا الأوروبية)، بالرغم من ان الحرب ضد مصالحها الاستراتيجية.
إن كل شهر إضافي في الحرب الأوكرانية، سيتزايد فيه خطر الانقسام في البيت الأوروبي، حيث ستواجه القارة الأوروبية، اختبارات صعبة لمدى استمرارها في إمداد أوكرانيا بالأسلحة لمواجهة روسيا، وتأثير ذلك على اقتصاداتها، وأنظمة الطاقة فيها.
وثمة سؤال جوهري يطرح عن مدى قدرة الشعوب الأوروبية على الصمود في مواجهة الشتاء القادم، الذي ستزداد فيه معاناة الشعوب الأوروبية، من البرد، الذي لم تعهده عبر قرن من الزمن، ومن زيادة الأسعار المضطردة، وهذا الواقع لن يمر بدون اضطرابات ستعم أوروبا، قد تغير حكومات، أو تسقط حكومات.
ليس هذا فحسب بل على أوروبا ومعها أمريكا، ان تعلم أن الحرب القادمة، بعد ضم الكيانات الأربع إلى روسيا، لم تكن كما كانت تحت مسمى عمليات عسكرية، بل ستكون حرباً حقيقية، بين روسيا الدولة الأكبر في العالم، ومعها كل حلفائها، ضد القطب الأمريكي، و النازيين الجدد في أوكرانيا وكل الدول الداعمة له.
لأن أي عدوان الآن على الكيانات الأربع، سيعتبر اعتداءً مباشراً على الأراضي الروسية، وهنا سيكون الرد مزلزلً، وبكل صنوف الأسلحة المتاحة التي تملكها روسيا، لأن روسيا ستعتبر حينها الحرب ليست بينها وبين أوكرانيا، بل حرب مع الحلف الأطلسي كله.
ولما كان الحلم الأمريكي، الذي يُنَظِّرُ له الاعلام الغربي الكاذب والمضلل، بأن أمريكا دفعت روسيا للغوص في وحول أوكرانيا، كما كانت عليه حربها في أفغانستان.
لكن عليهم أن يعلموا أن روسيا تقاتل اليوم من أراضيها، وبجنودها، وليست كأمريكا التي تقاتل بالمرتزقة، وان أوكرانيا دولة حديثة، يسهل تدمير جميع مؤسساتها الحيوية وليست ككهوف تورا بورا.
فخسارة روسيا للحرب، ليس وهماً بل هو جنون، لا يقبله عاقل، فالكل يعرف قدرات روسيا الصاروخية، والفضائية، التي تتفوق على جميع الأسلحة التي يمتلكها القطب الأمريكي كله.
ولكن الخاسر الأكبر في هذه الحرب ستكون أوكرانيا أولاً، لأنها خسرت وإلى الأبد منطقة غنية بالمعادن، والصناعات الثقيلة، والتي تزيد مساحتها، عن 20% من مساحة أوكرانيا، كما خسرت بحر (أزوف) حيث أصبح بحيرة روسية، ومرفأ (خيرسون) الكبير والمهم، الواقع على البحر الأسود، والمشهور بصناعة السفن، والأهم اتصال جزيرة القرم القاعدة العسكرية الروسية الاستراتيجية مع البر الروسي.
ولن يأت الشتاء إلا وستكون أوكرانيا، بدون كهرباء أو غاز، لأن تلك المؤسسات ستكون أهدافاً سهله للطيران الروسي المتفوق، وللصواريخ الدقيقة الفرط صوتية، كما ستدمر جميع مؤسساتها العسكرية وغير العسكرية، عندها سيواجه شعب أوكرانيا، شتاءً بارداً بدون تدفئة، وبدون انارة.
لكن أهم خصيصة حققتها هذه الحرب، أنها أعلنت ولادة القطب الشرقي، في مواجهة القطب الغربي، سارق الحضارة، وقاهر الشعوب، وإيذاناً بإنهاء الهيمنة الغربية على العالم.