ربيـــع الرفاق..!
رانية زكريا لصوي
نترك للموت أن يفعل فعله فينا، فنشعر عن الفقدان بالرغبة في سداد الدين، شعور الرثاء، الشجن على من فقدنا، ولكننا لم نتعلم أن شعور الوفاء أجمل.. أقوى أن نذكرهم وهم أحياء أطيب….
نتشارك معاً يوماً مضى.. ذكرى وابتسامة، لربما في ذلك رداً للجميل، أو كتابة لفصل جديد من القصة.. نخطه معهم بملء الإرادة..
هناك في مرحلة التلاهي والعمل العسكري والوطني ما بين سوريا ولبنان نشأت، وأقول التلاهي لأنه كان سمة ذاك الوقت، الإنشداد للعمل الوطني على حساب الأسرة، الآباء والأبناء، هذا العمل من الجهة الأخرى كنا نراه إهمال بحقنا من الأهل..
مجموعة رفاق ورفيقات اختاروا درب النضال.. اختاروا لنا أن نصبح أسرة واحده معهم، فأصبح لديَّ الكثير من الأمهات…
أمي لم تكن مقصره في تربيتي، اختارت أن تضيف على واجباتها، القضية الفلسطينية، مُعتقدة أن في عودتنا إلى فلسطين الحرّة انجازها الأمومي الأكبر، وهذا الحلم كان جامعا لهنّ، فأصبحن كلهن أُمي…
بعد “الانفراجة الديمقراطية” في الأردن عدنا، وانتقل بنا الحال من لبنان وسوريا إلى الأردن، تغير بنا الحال، وانتقلنا على حياة اجتماعية أسرية مختلفة تتمحور حول العلاقات العادية.. ولأننا توارثنا الهم الوطني، بقينا في نفس الإطار الوطني والسياسي كأطفال…
أذكر في عامي 23 ذهبت إلى لبنان لأشارك في مخيم شبابي يجمع الشتات الفلسطيني، عندي علم مسبق بأن المشرفين على المخيم من الرفاق القدامى الذين شاركوا تربيتي ما بين لبنان وسوريا..
وصلت إلى مكان المخيم، أعداد لا بأس بها من الشباب والصبايا في المكان، اختلطت الوجوه والأصوات، منهم من يعرف بعضه مسبقاً، ومنهم من يشارك لأول مرة مثلي، تراقب عيوني المكان، تراقب التفاصيل…
في المكان سيدة قوية، صوتها جهور، له بحه مميزة أذكرها جيداً… شعوري الداخلي بأنها لن تعرفني، جعلني اختفي بين الحضور، أُرتب ما يمكن لمكان نومي وإقامتي لفترة قادمة…
مرت من أمامي كجبل.. تقدمتني خطوتين وعادت…
شو اسمك؟ لم تنتظر إجابتي
أنت بنت أنعام؟ بتشبهيها، أنعام الصغيرة وحضنتني
لم تنتظر أي تأكيد، واثقة، ولك رانيا ما عرفتيني….
وقد وصل رأسي صدرها… عرفتك وعارفتك من قبل ما أجي، ما توقعت تعرفيني..
ولم ينتهِ المشهد.. من الخلف صوت شاب صلب، اشتد عوده، يعني أنتِ رانيا أختي بالفوطة… اللي تربيت أنا وياها…
لم يكن مشهد تمثيلي، هو فصل من فصول حكايتنا…
رماح كان شريكي في ليالي الانتظار والتكافل.. وأم ربيع كانت والدتي التي شاركت أمهاتي تربيتي، وشاركت أبنائها أمومتها… لم تحتاج أن تغرق في الملامح، تحفظني.. عندها الكثير من القصص تُخبرني عنها، وتكمل لي دفتر ذكرياتي.. لأنهن أمهاتنا تشاركت أنا ورماح المحبة، وحملناها، حصدتها في هذا اليوم، رأيت ضحكته الجميلة، كنزي الكبير في أخ لم تلده أُمي..
عائلة صلاح صلاح..
ما زالوا إلى الآن يطرقون جدران الخزان، يناضلون من أجل الفكرة، يحملون الوفاء.. لي في لبنان عائلة بيولوجية ممتدة، ولي بيتٌ صغير كبير بالحب، أم ربيع وأبو ربيع وأبنائهم…
لن أنتظر مغادرة أحدنا الدنيا لنكتب قصصنا، سأذكركم قلبا قلبا، وأسمع نبضاتكم وأنتم تقرؤون نصي.. أرى الابتسامة والأمل، سنلتقي ونعود وتكون فلسطين حرّة.
في درب النضال وساحة المعركة، الرفيق للرفيق سند، حماية، يشتد الساعد بالساعد، ويُحمى الظهر بصدر الآخر…. كانوا وما أجمل ما كانوا..
لم تتغير ملامح قضيتنا الوطنية بفعل الخيانات فقط، بل تغيروا الرفاق، طالتهم الغربة والتغريب، بتنا اليوم نراهم على صفحات الوهم ينشرون اللوم، لم تعد المحبة سائدة، تمكنت المصلحة، أغرقنا التشوه وطال غربتنا..
2022-09-12