نظام آيل للسقوط لكن…..!
هاني عرفات
في زلة لسان على ما يبدو، وفي معرض حديثه عن الحرب في أوكرانيا، قال بوريس جونسون : لا يمكن أن نسمح لبوتين بالانتصار في هذه الحرب، لأن ذلك يعني إنهيار النظام العالمي القائم .
ورغم أني ضد الحروب بشكل عام، ولأننا نعرف من يدفع ثمنها دائماً، ولأن الحرب في أوكرانيا هي أساساً تعبير ساطع عن هذا النظام العالمي ذاته الذي يتحدث عنه جونسون، فإن ٩٩.٩٪ من سكان المعمورة لن يأسفون على انهيار نظام جونسون وصحبه العالمي ، الذي لم يقدم للعالم سوى الحروب والمآسي والكوارث، والفقر حد المجاعات ، هذا النظام لا يمثل ولا يخدم سوى مصالح القلة القليلة من الأثرياء الجشعين ، حسب ويكيبيديا يسيطر الشمال ( الدول المتقدمة ) الذي يمثل ربع سكان العالم على ٩٠٪ من دخل الصناعات التحويلية ، بينما باقي سكان العالم يحوزون على ١٠٪ من هذا الناتج.
هذا ليس كل شئ فإذا ما أضفنا إلى هذه الأرقام ، فقراء الشمال أيضاً ، نجد أن من يتحكم في ثروات العالم هم فقط أعضاء النادي الذي يمثله جونسون ، هؤلاء لا يتجاوز عددهم بضعة آلاف على أبعد تقدير، وبالمناسبة عددهم في تناقص مستمر.
هذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، بحرب أوكرانيا أو بدونها، هذا الوضع الشاذ لا بد أن يصل الى نهايته، رغم كل المحاولات المحمومة التي يبذلها هؤلاء لإطالة عمر نظامهم.
بوادر الانهيار العظيم بدأت تتجلى ، قبل بدء الحرب ( ربما هذا كان أحد الأسباب المهمة لنشوبها ) ، التضخم غير المسبوق في البلدان ذاتها، عادة ما كانت هذه البلدان تؤجل أزماتها الداخلية، على حساب نهب ثروات بلدان الجنوب ، من خلال الحروب العدوانية تارة، أو من خلال السيطرة الاقتصادية تارة أخرى، وبإستعمال أدواتها المتعددة، مثل صندوق النقد والبنك الدولي، وبمساعدة من حكومات خائنة لمصالح شعوبها، وإشغال الشعوب بحروب مناطقية فيما بينها ، لإحكام السيطرة.
من ينظر إلى التحولات العميقة التي تجري في أميركا اللاتينية، وآخرها إنتصار اليسار في كولومبيا لأول مرة، يستطيع أن يلمس بوادر هذا التغيير. النظام العالمي الذي يحاول جونسون يائساً إنقاذه قد وصل أعلى مراحل أزمته.
لكن هذا وحده غير كافي لإحداث التغيير، قائمة من لهم مصلحة في زوال هذا النظام الظالم كبيرة جداً، لكن دون الوصول الى درجة من الوعي بمصالحهم ، لن يكون ممكنًا الخروج من عنق الزجاجة، العديد من هذه الشعوب وفي مقدمتها شعوب الشرق الاوسط لا زالت غير قادرة على النهوض الواعي لإحداث نقلة نوعية ، وبناء مقدمات التغيير المطلوبة، وفي المقدمة منها تحقيق الثورة الاجتماعية، ورغم كل ما يقال عن الظروف الموضوعية، وحجم المؤامرة التي تستهدف المنطقة، إلا أن ذلك كله كلام حق يراد به باطل، هذه الحجج مجرد إبر تخدير لإعفاء النفس من المسؤولية. لا يوجد في التاريخ مثال واحد على توقف الصراع ، فضلاً عن أن دولاً تنازلت عن سيطرتها على دولاً أخرى عن طيب خاطر.
الأمر يعود دائماً لأصحاب القضية، اليوم أفضل من الغد، النظام العالمي اليوم أكثر هشاشة من أي وقت مضى، ولم يعد قادرا على إطفاء الحرائق التي أشعلها بنفسه.
كل ما يقومون به اليوم محاولات يائسة لإحياء وتطوير تحالفات عسكرية، لن تحل الأزمة بل تزيدها تأزماً.
على الجانب الآخر تقف القوى المترددة، تتفيأ بنظرية التغيير القادم القائمة على الحتمية التاريخية،ومشكلة عليها ، دون أن تفعل أي شئ حقيقي في هذا الاتجاه. كل ما يفعله أصحاب هذا التوجه ، هو إطالة عمر الازمة، والفناء لهم ، لأن عملية التطور لا تقبل الفراغ.
2022-06-29