نبوءات تلمودية مشفّرة!
مهدى مصطفى
قنبلة هيدروجينية تطل من شاشة التليفزيون، تتراقص على المنصات الإعلامية، تقتل الوعى، تمحو المعرفة، تنشر الخرافة، يقدمها شخص مدرب بعناية.
مثل هذا الشخص «متعدد النسخ»، متشابه السحنة، من أمريكا، إلى روسيا، إلى إسرائيل إلى المنطقة العربية، وفى الأخيرة تشابهوا علينا، إلى الدرجة التى لا نعرف فيها أيهم أخطر علينا من الآخر.
يبدو الشخص منهم خفيف الظل، يظهر على الشاشة بوجه ريفي، يبتسم، يسرد الحكايات، يمزح كأنه واحد من الناس، لهجته شعبية، إيقاعه بسيط، خطابه يبدو تلقائيا، لكنه ليس كذلك، فكل شيء مدروس، من الابتسامة المصنطعة إلى الهمس الناعم.
نحن أمام شخصية مصنعة، لا عفوية فيها، فالدور مكتمل، والحضور محكوم، والرسالة أكبر من مجرد تحليل شعبى.
ما يقدمه هذا أو ذاك ليس رأيا، ولا استشرافا، ولا تحليلا، إنما هو تنفيذ مباشر لسيناريو جرى إعداده داخل غرف مغلقة، وما يردده على الشاشة يخرج من نصوص توراتية وتلمودية، ومن جداول زمنية وضعتها مؤسسات قوة عابرة للحدود، وكل «نبوءة» ينطق بها تخدم خطة، وكل توقيت يظهر فيه محسوب على لحظة سياسية أو نفسية معينة.
فى لحظة بعينها، يخرج بتصريح «مفاجئ». يتحدث فيه عن تفكيك سوريا، أو وقوع زلزال فى بلد عربى، أو تهديد لقناة السويس، أو ضربة مرتقبة لإيران.
تمر أيام أو أشهر، فتقع الأحداث كما توقع، ويصفق الجمهور للحدس، والحقيقة أن الجمهور كان قد تلقى إشعارا خفيا بتنفيذ المرحلة التالية.
الرسالة مغلفة، يمررها داخل نكتة، أو مثل شعبى، أو قصة فلكلورية، هنا تكمن الخطورة، يخترق الطبقات الاجتماعية من داخلها، يتكلم بلسانها، ثم يوجهها إلى ما إلى ما تم التخطيط له من قبل، وما يقال يصل إلى القلب مباشرة، دون مقاومة، فيستقر كأنه وعى شعبى، بينما هو اختراق نفسى مدروس.
الخطاب التوراتى لا يأتى كاقتباس دينى، إنما كرسالة سياسية مشفرة، ومفاهيم مثل «الهيكل»، و«الأرض الموعودة»، و«الحرب الكبرى»، و«التقسيم الإلهي» تظهر فى الخلفية، كما وردت فى التلمود.
هذه النصوص يعاد تدويرها داخل غرف صناعة القرار فى واشنطن وتل أبيب، وتفسر وفق خرائط سياسية، ثم تسرب إلى الواجهة بصوت يبدو مألوفا.
هذا النموذج الإعلامى جزء من معادلة أكبر، تتقاطع مع أدوات الحرب النفسية، ومع منظومة الإعلام الموجه، والتلاعب الإدراكى طويل المدى، ولا يتوقف الأمر عند الفرد، إنما يشمل المنصة، والتمويل، والحماية، والجهات التى فتحت له الطريق.
يمكن وصف هذا النموذج بـ «المرسِل الشعبى»، تلك الشخصية التى تحاكى العامة فى الشكل، بينما تمرر رسائل فوق وطنية فى الجوهر، وجمهورها واسع، وتأثيرها مباشر، وخطابها ناعم لكنه نافذ.
مزحة، تعليق، نبوءة، تتحقق، والنتيجة: انقلاب فى الإدراك، يصبح المستحيل طبيعيا، يقبل المرفوض، ويحدث المخطط كأنه قدر لا يرد.
الخطورة تكمن فى التكرار، فالعقول تبدأ فى تكييف أنفسها مع ما يعرض، لا على أساس وعى نقدى، إنما بوصفه منطقا لا يمكن كسره، وبمرور الوقت، يتكون استسلام داخلى، يهيئ الجماهير لتلقى الضربة من دون مقاومة.
هذا النوع من الإعلام لا يؤخذ كتسلية، ولا يفسر بالمصادفة، إنما يجب أن يحلل كأداة اختراق إستراتيجى، يتم استخدامه فى لحظة ضعف اجتماعى، لإعادة برمجة الجماهير نفسيا وفكريا.
المزاح الظاهرى على الشاشة قد يخفى كابوسا تم تدوينه من قبل، ويعاد إخراجه الآن على مسرح حديث، بوجوه محلية، وأوامر تأتى من خلف الستار.
2025-07-17
