مصر التي في خاطري!
مهدي مصطفى
في ليلة مشحونة بذكرى 11سبتمبر،2001, ارتفع صوت مصر وحده، ودوّى في مجلس الأمن كالرعد.
ليلة الثاني عشر من سبتمبر 2025 وقف مندوبها الكبير في الأمم المتحدة السفير أسامة عبد الخالق، وقال في مجلس الأمن ما لم يجرؤ غيره على قوله، ووضع إسرائيل وجها لوجه أمام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
لم يقدم أسامة عبد الخالق ورقة دبلوماسية باهتة، وإنما أشعل صرخة حق، وقرع جرس إنذار في وجه العالم كله، وأعلن أن العدوان يبلغ ذروته، وأن مصر ـ نواة الإقليم الصلبة، المحكوم عليها بأن تبقى قوية إلى الأبد ـ ترفض الصمت، وتغلق الطريق على العابثين، وتؤكد أن الساحة لا يملؤها إلا أصحابها.
وكما يقول جمال حمدان: “مصر قدرها أن تكون قوة عظمى، وإن لم تفعل تخرج من التاريخ”.
الفصل السابع لا يأتي كبند عابر في أوراق الأمم المتحدة، وإنما ينهض كسيف مشرع وورقة نار، فترفعه مصر كمن يرفع آخر ما يتبقى من أدوات العدالة.
وحين تغلق الأبواب، ويغطي الليل الحق بأستاره، يتحول هذا الفصل إلى إعلان حرب شرعية على من يتحدى النظام الدولي، ويبدأ بالعقوبات والحصار والعزلة، ثم يفتح الطريق إلى القوة المسلحة.
وكل دولة تستدعيها قرارات هذا الفصل تتحول إلى دولة مارقة، وتحمل على جبينها وصمة عار لا تزول.
وحين تطالب مصر بتطبيقه على إسرائيل، فهي تكشف أن الكيل يفيض، وأن العدوان يتجاوز حدود الاحتمال، وأن صمت العالم يتحول إلى جريمة إضافية لا تقل فداحة.
هذه المطالبة لا تنبثق من فراغ، وإنما تستند إلى وعي عميق بتاريخ الفصل السابع، الذي ينهض فقط في اللحظات الكبرى: حين اجتاح العراق الكويت، وحين طوق المجتمع الدولي نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وحين انفجر البلقان بالدم والنار في قلب أوروبا.
اليوم تعلن مصر أمام العالم أن إسرائيل لا تمثل استثناء، وإنما تجسد رأس العدوان، وتجسد الخطر الذي لا يزول بالإنكار ولا ينكفئ بالرجاء.
ومن هنا تضع مصر الأمور في نصابها الصحيح، وتشد الكلمة بالفعل، وترفع الصوت في موضعه، وتعيد صياغة المشهد بأسره. فإسرائيل لا تقوم كدولة طبيعية، وإنما تنهض كيانا عدوانيا خارجا على القانون الدولي، ولا يوقفها سوى سيف القوة. وهذا هو صوت مصر حين يعلو: صوت العدل وهو يتكلم، وصوت التاريخ وهو يستيقظ، وصوت الحق وهو ينتفض من أعماق وادي النيل.
يا من تذهب سوف تعود
من فيلم المومياء
شادي عبد السلام
12 / 9 / 2025