ما لم تتغير أميركا ..!
هاني عرفات
ما لم تتغير أميركا ، فإننا لن نرى تغييراً يذكر، لا في فلسطين ولا في العالم العربي ، ولا حتى في العالم كله.
لا أقلل من شأن التطورات الداخلية في كل بلد، فهي مهمة و ضرورية ، لكن التحدث عن اختراقات كبرى تغير المسار بشكل جوهري أصبح مشكوكاً فيه ، طالما بقيت القوى المهيمنة على القرار في الولايات المتحدة على حالها.
حتى في ظل وجود مراكز قوى عالمية متعددة ( يطلق عليها البعض لقب أقطاب ) فإن الوضع لن يتغير. حتى هذه المراكز ، تداخلت بشكل أو بآخر مع هذه المنظومة ، وأصبح بقائها مرتبط إلى حد كبير ، ببقاء المنظومة ذاتها ، و يظل تأثيرها السياسي محدود و محكوم بمنظومة من العلاقات الآمنة ، صحيح أنها تمكنت من حماية مصالحها و جزء من المحيط الضروري، لكن تأثيرها الكوني ظل محدوداً حتى اللحظة.
الشعب الأميركي في غالبيته يريد التغيير، رغم أنه حتى اللحظة لا يعرف كيف. لا يوجد مصلحة للمواطن الأميركي العادي في تزعم العالم ، على حساب قوته اليومي و مستواه المعيشي. من يستفيد من ذلك هم فقط أصحاب الشركات العابرة للقارات و مراكز المال ، الذين بدورهم يغذون مراكز الضغط المتعددة ، الذراع المسيطر على الطبقة السياسية برمتها ، من خلال التمويل والمتابعة لمرشحين بعينهم ، و حملات علاقات عامة في مراكز التأثير الدينية والإعلامية والثقافية ، وهذه بدورها تظل تحاصر وعي الأمريكيين ، و توهمهم بأن هناك أعداء خارجيين وداخليين يتربصون بهم يريدون القضاء على بلدهم.
هذه المراكز تزداد قوةً مع الوقت ، و تزداد ثراءً أيضاً ، فمع كل سنت تقدمه لخدامها السياسيين ، تتلقى أرباحاً مضاعفة بالمقابل على شكل تسهيلات و تشريعات لاستثماراتها. وفي نفس الوقت تزداد الهوة اتساعاً و يكبر الشرخ بينها وبين عامة الشعب. و يعود ذلك إلى سببين رئيسيين : الأول أن الحالة الاقتصادية والمعيشية في حالة تدهور مستمر ، رغم الوعود المستمرة من الحزبين الكبيرين بالإصلاح ، والتي سرعان ما تتلاشى بعد كل انتخابات رئيسية.
والسبب الثاني: ثورة المعلومات ، حيث لم تعد وسائل الإعلام المركزية ، وهي التي كانت دوماً إحدى أهم أذرع المنظومة، لم تعد هذه الوسائل الاعلامية المصدر الوحيد للمعلومات.
و يمكن إضافة عامل آخر إلى ما سبق ، وهو تراجع الذراع الديني للمنظومة في قدرته على التأثير ، تحديداً على جيل الشباب.
باعتقادي أن هذا الوضع يشكل فرصة نادرة ، من أجل التغيير نحو الأفضل . لكن دون وجود قوة سياسية جديدة وجادة ، فإن التغيير سوف يكون مستحيلاً. هذه القوة أو الاطار السياسي في حال وجد ، عليه أن يعمل على توحيد الناس ، تحت شعار إعادة السلطة للشعب ، من خلال وضع قوانين تمنع الرشاوي المقنعة للمرشحين، المقدمة من مراكز الضغط الكبيرة.
بطبيعة الحال أن أمراً كهذا صعب ، لأنه يحتاج إلى تشريعات جديدة ، و المشرعون هم جزء من المنظومة إياها ، لكن الأمر غير مستحيل ، إذا ما تم اعتماد نهج البناء من أسفل إلى أعلى ، وإذا ما تولدت حركة شعبية ، و بدأت في إيصال ممثلين محليين إلى مواقع قيادية ، على مستوى المدن و المقاطعات والولايات ، مما سوف يوفر قاعدة و زخماً للمنافسة والوصول إلى المقاعد الفيدرالية لاحقاً.
الأمر لن يكون سهلاً ، وقد يجابه ذلك باجراءات قمعية أيضاً ، لكن لا توجد طرق مختصرة لتحقيق ذلك، ويظل السؤال الأساسي قائماً : من يعلق الجرس ويبدأ الخطوة الأولى على طريق الألف ميل؟
2025-04-05