غزة الذبيحة و حكيم القرية!
هاني عرفات
نجحت إسرائيل وحلفائها ، في تحييد المنظومة العالمية الرسمية، بينما لا زالت تمعن إثخاناً في الدم الفلسطيني، و ذلك بعد أن تمكنت من إلحاق ضربة موجعة ، بالنهج وما يمثله من قوى، الذي كان يحول دون إطباق سيطرتها الكاملة على المنطقة.
لنكن واقعيين ، إسرائيل اليوم تفعل ما تريد ،لم يعد هناك خطوط حمر ، ترتكب المجازر في غزة ، و تهجر مخيمات الضفة ، تبني مستعمرات جديدة ، وصلت الأمور حد قصف سفينة أجنبية في المياه الدولية، كما أنها تحتل جنوب سوريا و تفرض نفسها راعياً لأحد مكونات الشعب السوري، ولا زالت تحتل مواقع في الجنوب اللبناني ، وعادت لتقصف الضاحية الجنوبية. بينما النظام الرسمي العربي يقف عاجزاً أو متواطئاً.
بإختصار، نجحت إسرائيل في فرض الواقع الذي تريد ، المكابرة لم تعد تجدي ، هناك طرف واحد يتألم و بشدة ، المسألة تعدت كل الحدود المقبولة لأثمان معقولة. هناك شعب يذبح و يجوع كل ساعة ، ولا بد من وقف ذلك و فوراً.
لكن كيف؟
أمام هول الكارثة، يسارع البعض لوضع كل الضغوط على المقاومة الفلسطينية. يطالبون المقاومة بالاستسلام الكامل لكل طلبات حكومة الاحتلال، مقابل وقف الحرب.
المشكلة أن هؤلاء لا يدركون ، بل لا يريدون أن يدركوا، أن هذا الخيار غير مطروح على الطاولة أصلاً ، كما أن المقاومة لا تملك من الأوراق سوى القليل ، وهي بالذات ورقة المحتجزين ، وهذا القليل إذا ما تم تقديمه على طبق من فضة لهذه الحكومة الفاشية، فإنها سوف تزيد من بطشها و إجرامها وليس العكس.
هؤلاء الحكماء يشبهون في طرحهم هذا ، قصة حكيم القرية ، حيث أن أهل قرية أفاقوا يوماً على بقرتهم وقد أدخلت رأسها في جرةٍ من الفخار ، احتار الناس كيف لهم أن يخرجوا رأس البقرة دون أن يكسروا الجرة ، و عندما عجزوا عن ذلك ، نادوا حكيم القرية، الذي فكر قليلاً ثم أشار عليهم بأن يحضروا له سكيناً ، أخذ السكين و جز عنق البقرة ، و عندما قال له الناس حسناً فعلت ، لكن كيف سوف نخرج الرأس من الجرة ؟ قال: أعطوني فأساً، ثم هوى بالفأس على الجرة فكسرها ، قال : يمكنكم أخذ الرأس الآن.
حكمة هذا ( الحكيم ) كلفت أهل القرية البقرة والجرة معاً ، وهذا ما سوف يؤول اليه الحال ، إذا جرت الأمور كما يريد حكماء الاستسلام الكامل.
الحقيقة هي ، لا يوجد حل سهل وفي متناول اليد ، لكنه ممكن ، ولا يأتي من خلال ممارسة الضغوط على الضحية ، بل على العكس تماماً ، الضغوط يجب أن تمارس أساساً على المحيط الخامل ، و من خلال تفعيل الضغط الشعبي الفلسطيني والعربي على حكومات هذه البلدان ، و مواصلة التحرك الدبلوماسي الرسمي والشعبي عالمياً. وفي هذه الميادين كلها وحتى الآن لم يبذل الحد الأدنى من الجهد الممكن.
هناك دولتان في المنطقة ، هما السعودية و مصر ، في أيديهما الكثير من أوراق الضغط ، إن شاؤوا يستطيعوا أن يفرضوا وقفاً للعدوان ، الأحرى إذاً ان يوجّه الضغط إلى هناك.
المقاومة الفلسطينية أعلنت مراراً و تكراراً، استعدادها للتخلي عن حكم غزة ، و تبادل أسرى ، مقابل انسحاب اسرائيلي و رفع الحصار وإعادة الإعمار ، ليس هناك شئ آخر لديهم ليقدموه.
2025-05-03