شائعة وفاة غامضة!
مهدى مصطفى
حين انتشرت شائعة وفاة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بدت كرصاصة اخترقت قلب أمريكا، فارتجفت واشنطن كبيت من زجاج، واتضح على الفور عمق الهشاشة فى قوة طالما ادعت الصلابة لعقود، ولذلك بدت العاصمة مترنحة، عارية، كأنها تنتظر السقوط.
ولأن الصورة المزعومة للرئيس الممدد بين الحياة والموت صنعت بتقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد فجرت الأسئلة كالعواصف، فمن يحكم واشنطن إذا غاب سيد البيت الأبيض، ومن يمسك بخيوط العالم، ومن يملك قرار الضغط على الزناد فى لحظة فراغ قاتلة؟
عندها خرج نائبه، جى دى فانس، بتصريح مباغت، أعلن فيه أنه جاهز لتولى المنصب، إذا وقعت كارثة، وهكذا بدا المشهد كأنه مسرحية دموية، السيف فى الوسط، والطامعون يتناوبون عليه بعيون متعطشة للعرش.
فى المقابل، تلقفت أوروبا الصدى، وارتجفت هى الأخرى، فالقارة العجوز أغلقت أبوابها القديمة، وسلمت مفاتيحها لواشنطن، بينما اندفعت ألمانيا كرأس حربة فى أوكرانيا، فيما كانت فرنسا تئن تحت ضغط الاستنزاف والخوف من الدب الروسى، أما بريطانيا فقد ظلت تركض خلف شبح إمبراطوريتها الضائع، وهكذا بدا القرار الأوروبى مكبلا بالكامل، وكأن القارة كلها ركبت قطارا أمريكيا بلا فرامل، يسير نحو حرب لا يمسك أحد بخيوطها الغامضة.
فى الوقت نفسه، كان العالم الآخر يتشكل بخطوات واثقة، صعدت الصين كمركز اقتصادى وتقنى يوازى الغرب، وأثبتت روسيا نفسها كوريثة صلبة للاتحاد السوفيتى، بينما دفعت الهند بثقلها الديموغرافى والصناعى إلى قلب المعادلة، كما راحت قوى من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تبحث عن استقلال فعلى بعد قرن من التبعية، هكذا أعيد رسم موازين القوة، وتم شطب صفحة قديمة من التاريخ لتأتى مكانها أخرى جديدة.
غير أن الأشباح خرجت مجددا من تحت الرماد، فبعد ثمانية عقود من سقوط النازية والفاشية، عادت القوميات بخطاب الأرض والدم، وامتدت سباقات التسلح، وطفت الشعارات العنصرية على السطح، وبذلك اكتشف الغرب أنه عالق فى دوامة قديمة، لأن الذاكرة أقصر من أن تمنع عودة المأساة، وكأن البشرية محكوم عليها بتكرار الأخطاء نفسها.
من هنا يتهيأ نائب الرئيس الأمريكى، جى دى فانس، للصعود، فهو شاب بملامح جيل مختلف، يطرح وعودا غامضة، ويتأرجح بين انغلاق قومى يعيد أمريكا إلى داخلها، ورغبة فى صياغة دور جديد فى العالم، ولذلك ستحدد قراراته المرتقبة الخط الفاصل، فإما اعتراف بتعدد الأقطاب، أو محاولة إحياء هيمنة تتهاوى تحت ضرورة الوقائع.
على الجانب الآخر، يقف العرب فى قلب العاصفة، فالمنطقة كانت مختبراً لصراعات منذ قرون، وساحة لحروب بالوكالة لعقود، ولهذا فإن اللحظة الحالية لا تسمح بالتردد، لأن استعادة القرار شرط وجود، كما أن بناء التكامل الاقتصادى والأمنى صار ضرورة بقاء، فى حين أن تنويع التحالفات مع الشرق والغرب يشكل نافذة خلاص، أما الاستثمار فى المعرفة والتكنولوجيا فهو سلاح المستقبل، ومن ثم، فإن مواجهة الفاشيات الجديدة بخطاب حضارى جامع هى معركة مصير، وإعادة تعريف الصراع مع إسرائيل تمثل ضرورة وجودية فى نظام عالمى لا يعترف بمكانة للتابعين.
بينما يضغط الزمن ويركض التاريخ، يتشقق الغرب تحت غروره وصراعاته، ويصعد الشرق الأقصى بإصرار نحو موقع القيادة، وهكذا يقف العالم كله أمام مفترق طرق جديد، فإما ولادة نظام متعدد متوازن الأقطاب، أو انزلاق إلى رماد نووى تنتهى معه كل المسائل العالقة، وفى المقابل يقف العرب أمام مفترق وجودى، فإما الحضور فى كتاب المستقبل أو السقوط فى هوامش النسيان.
فى النهاية، يصفع المشهد العيون كطلقة، فإمبراطورية مترنحة تبحث عن وريث، وقارة أوروبية بلا إرادة، وشرق أقصى ينهض كبركان، وتاريخ يعود بأقنعة جديدة، وعرب يقفون على حافة القرار.
اللحظة شديدة الوطأة، دقيقة كحد السيف، ومن لا يطلق رصاصته الأولى يتحول إلى هدف، لذلك فإن ما يحدث ليس أزمة عابرة، إنما منعطف وجودى سيحدد ملامح القرن الحادى والعشرين.
2025-09-04
