حروب مجهولة النسب!
مهدى مصطفى
العصر الرقمى طوفان نوح الجديد، يتسرب من الزوايا والشقوق، يقتل بصمت، يدمر فى لحظة، تعجز أى سفينة مقدسة عن السباحة فيه، إلا إذا امتلكت الدول زمام المبادرة، واستبقت الأصدقاء قبل الأعداء.
فى عصر الرئيس الأمريكى الرابع والأربعين، باراك أوباما، ظهر من العدم والصمت، إدوارد سنودن، عميل «السى. آى. إيه» المنشق، ليكشف الخطر الكامن فى الظلام، وكيف أن الجميع تحت المراقبة، فى استعادة لخيال جورج أورويل فى روايته الشهيرة» عام 1984” حيث الأخ الأمريكى الكبير يرى فى الظلام.
معارك اليوم لا تخاض على الحدود، أو فى الميادين الفسيحة، تخاض على شاشات المراقبة، ومن الغرف المغلقة، وعبر الشيفرات المموهة، وأوامر القتل الصادرة من على بعد آلاف الكيلومترات.
معارك لا ترى بالعين المجردة، لا ضجيج لها، ولا دخان، إلا بعد خراب مالطا، تستخدم الهجمات الإلكترونية، تدمر المنافسين بضغطة زر، تهشم البنية الحيوية للدول المستهدفة فى طرفة عين، تسحق الأعداء والخصوم والمتنافسين، وحتى الأصدقاء المتمردين قليلا.
معارك آتية من جنون الخيال، سلاحها مجرد برامج خبيثة، تتلاعب أو تخترق الأنظمة الحساسة، الكهرباء، المياه، الاتصالات، النقل، المصارف، وحتى الإعلام، تترك الشعوب فى العماء والجنون.
نعيش فى عصر هش، يكفى اختراق غرفة تحكم، أو تعطيل نظام تبريد، أو إدخال كود ملوث، يشل أى مدينة لساعات، دون أن يستخدم المهاجمون الرصاص، أو الطائرات، أو القنابل الإستراتيجية الثقيلة، فقط شيفرة صغيرة تحرق مدينة كبيرة.
منذ سنوات وأشباح وادى السيلكون الأمريكى تطارد الدول والشعوب، تدفعها قسرا إلى توحيد مؤسساتها الرقمية، ترفض أن تبنى الدول الأخرى مؤسسات رقمية متوازية، ومتعددة، ومتباعدة، أو تحتفظ بأرشيفها القومى!
ترغب أشباح وادى السيلكون فى السيطرة الكاملة على خيال الأمم والشعوب، ولعل فيلم إدوارد سنودن، المطارد فى روسيا، وثيقة دامغة، يحذر الجميع من من شياطين المؤسسات الرقمية السرية.
طوفان نوح الجديد لا عاصم منه إلا بمن يملك التكنولوجيا فائقة الذكاء، والمعلومة الدقيقة، ويستبق الأعداء والمتنافسين والخصوم، وحتى الأصدقاء، ويفهم العصر، ويتسلح بالوعى.
ثمة حوادث جرت دون أن تسترعى الانتباه، منها هجوم فيروس غامض على منشآت إيران النووية منذ سنوات، بدا الأمر كأنه خلل بسيط، راح يتطور باندفاع وقوة، يدمر أجهزة الطرد المركزى بالكامل، بسبب شفيرة رقمية متقدمة، طورتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
موقعة البيجر، وتفجير أجهزة الاتصال اللاسلكى فى لبنان، ليست ببعيدة، وتهريب مسيرات أوكرانية إلى روسيا، واستخدامها عن بعد فى سيبيريا، أقصى الأراضى الروسية، شاهدة على قسوة الحروب اللامرئية.
على هذه الأرض ما يدعو إلى الصحيان.
ثمة دول تخوض هذه المعارك فى كل لحظة، منها إسرائيل، وأمريكا، وروسيا، والصين، وإيران، وبريطانيا، وفرنسا، جميعا تخوض حروبا إلكترونية علنية ضد خصومها وحلفائها معا.
فى بلد لاتينى انقطعت الكهرباء دون سابق إنذار، وعاصمة أوروبية وجدت نفسها غارقة فى الظلام، عجزت مؤسساتها عن معرفة السبب، وفى بلد آخر تم الهجوم على أجهزة الحاسوب فى شركة بترولية عملاقة، وترك القراصنة شاشة سوداء مكتوبا عليها “الموت لأمريكا”.
دقت ساعة العمل.
والقوة لمن يملك المعلومة، ويستبق الأعداء والخصوم والمتنافسين، فى حروب لا مرئية، مجهولة النسب.
2025-07-10
