العرب وأميركا..!

هاني عرفات
قبل حوالي عقدين من الزمن ، قال رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم الأسبق ، رداً على سؤال لماذا لا تستغل قطر نفوذها للضغط على أمريكا ، لكي تمنح الفلسطينيين حقوقهم.
قال المسؤول القطري حينها بما معناه ، أن الحكام العرب يقولون شيئاً في اجتماعاتهم الرسمية ، وحينما يذهبون إلى واشنطن يقولون شيئاً آخر ، و أضاف أنهم ( أي الزعماء العرب) يحرضون الاميركان على من يخرج عن السرب منهم.
هل لا زال الحكام العرب ، يفكرون بنفس الطريقة ؟ ربما.. ليس هناك ما يدلل على أن هذه العقلية تغيرت.
هل هناك أمل أن تتغير هذه النظرة؟
ربما كبيرة أيضاً ، لأن هامش المناورة، الذي كانت تتيحه الولايات المتحدة لدول المنطقة سابقاً ، بدأ يضيق جداً ، بسبب التغييرات الداخلية الكبيرة الحاصلة في الولايات المتحدة والعالم ، و بسبب الفرص العالمية المتاحة خارج هذه القناة ، من ناحيةٍ أخرى.
التغيرات في السياسة الاميركية ، و نظرتها إلى المنطقة ، تستدعي بالضرورة تغيير في سياسة دول المنطقة ، لأن الخيار الآخر يعني فناء هذه الدول ، أو لنقل على الأقل تغيير الخارطة الديمغرافية السياسية.
نظرة سريعة على خارطة المصالح في المنطقة، الصين تأتي في المرتبة الثانية ، في حجم التبادل التجاري مع إسرائيل ، تليها دول الاتحاد الأوروبي ، هناك مليون و ربع اسرائيلي يحملون الجنسية الروسية ، أي ٢٠٪ من السكان اليهود في دولة الاحتلال، اذن روسيا ايضاً لديها قدرة على التأثير الإيجابي إن شاءت
الولايات المتحدة الأميركية ، خلال العقود الأخيرة و بشكل ملحوظ ، لم تعد تبالي بالقوانين الدولية ،ولا بالشرعية الدولية، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط ، و لم تعد تعير اهتماماً بالحفاظ على ماء وجه من يعتبرون حلفاءً لها أيضاً.
صحيح أن الولايات المتحدة اليوم ، هي القوة العسكرية والاقتصادية الأكبر ، لكنها ليست كل العالم . هناك عشرات الأدلة على وجود بلدان أضعف و أكثر فقراً في العالم ، استطاعت أن تحافظ على حيزها وعلى كرامتها في مواجهة هذا التغول. من جنوب أفريقيا و حتى دولة باليز ، هذه الجزيرة الصغيرة التي لا يتجاوز تعداد سكانها الأربعمائة ألف نسمة.
ما تطلبه الادارة الأميركية من السعودية و مصر والأردن اليوم ، يمس ليس فقط بالأمن القومي لهذه الدول ، بل يهدد وجودها بالكامل. طرامب يحاول أن يقدم صورة بأن هذه الدول ، لا تستطيع الحياة بدون الولايات المتحدة ، لكن نظرة موضوعية للواقع ، تؤكد على أن هذه الدول ، تقدم للولايات المتحدة أضعاف أضعاف ما تأخذه منها. و إذا أراد طرامب اللعب ضمن لغة المصالح ، فإن هذه الدول قادرة على أن تلعب في هذا الملعب ، و تتحول إلى الطرف الضاغط وليس الطرف المضغوط إن شاءت.
لكن هناك شروط لذلك ، أولها إلغاء النهج الذي تحدث عنه بن جاسم ، و التحرك ضمن مجموعة عمل وليس بشكل فردي ، والتصالح مع شعوبها ، بالمناسبة شعوب هذه البلدان ، تريد حياة كريمة و إصلاحات سياسية واقتصادية ، وليس بالضرورة إسقاط الأنظمة.
لقاء العاهل الأردني والرئيس الأميركي ، و محاولة الأخير إحراج الملك بالموافقة على مشروعه الجنوني ،يجب أن تشكل جرس إنذار لكل من السعودية و مصر. بتقديري أن الزيارة كانت خطأً ، و نعم كان بالامكان أن يختلف الأمر لو أكد الملك على حل الدولتين والشرعية الدولية أثناء المؤتمر الصحفي المفاجئ ، لكن المهم هو أنه لم يوافق على خطة طرامب في المؤتمر الصحفي ، وأعقب ذلك تصريحات أردنية على أعلى المستويات ، تؤكد على الموقف الأردني الثابت تجاه القضية الفلسطينية.
يجب التأكيد هنا على أن لا مصلحة للفلسطينيين في خلاف سياسي مع الأردن ، أو في زعزعة استقرار الأردن. بل على العكس فأن هذا اليوم هو مصلحة اسرائيلية بحتة.
لا يستطيع أن ينكر أحد، أن هناك تقاطعات معينة بين دول المنطقة، و اميركا وإسرائيل ، إلا أنها بأي حال لا تصل إلى حد تهجير الشعب الفلسطيني ، خصوصاً على حساب دول المنطقة.
الدور العربي المطلوب لا يمكن أن يكتمل ، دون إعادة ترتيب البيت الفلسطيني ، و القيادة الرسمية الفلسطينية عليها أن تدرك ، أنها الحلقة الأضعف ، وإذا كان هذا حال الخطاب الأميركي تجاه السعودية ومصر والأردن ، فلها أن تتصور الطريقة التي سوف تخاطبها بها هذه الادارة ، هذا إذا وافقت اصلاًعلى مخاطبتها ، والشروط المطلوبة من الدول العربية للتصالح مع شعوبها ، هي مطلوبة أيضاً من القيادة الفلسطينية دون أي إبطاء.
2025-03-06