أحفاد أوبنهايمر فى طهران!
مهدى مصطفى
ينفجر التاريخ من الشرق الأوسط مرة أخرى، يواجه لحظة مخاض عسيرة، والعالم الآخر يولد وسط الحمم والدماء.
وقع الزلزال المدمر يوم الثالث عشر من يونيو 2025، عدوان مفاجئ شنته جماعة “المسألة اليهودية” على إيران، والخطر لا يكمن فى الزلزال الأصلى نفسه، بل فى الارتدادات، ومن يظن نفسه بمنأى عن المسألة، فقد وضع قدمه فى بئر سحيق لا قرار له.
الشرق الأوسط يتحول إلى غرفة ولادة للخرائط والصراعات، القوى العقائدية، تعيد ترتيب أوراقها على حساب الشعوب الأصلية، جماعة “المسألة الإسرائيلية”، اختارت أن تكون وفية لمعتقداتها القديمة، ففى كل محطات العنف الكبرى كانت حاضرة.
من حرب الثلاثين عامًا فى أوروبا “1618-1648”، وقد استغلت دورها المالى والسياسى لزيادة نفوذها، إلى الحربين العالميتين، حيث كان وعد بلفور ثمرة ضغط يهودى دولى واضح، مرورا بالثورات الدموية والصراعات الحدودية، وصولًا إلى التحولات الكبرى فى العالم العربى.
أخطر من كتب فى هذا المجال كان الضابط والكاتب الكندى، ويليام جاى كار فى كتابيه: “أحجار على رقعة الشطرنج”، و”سحاب أحمر فوق نيويورك”، وقدم خلاصة سردية لما جرى وما يمكن أن يجرى، خصوصًا فيما يتعلق بصراع الشرق الأوسط، والذى يعيد إنتاج نفسه عند التقاطع بين إيران، وجماعة المسألة اليهودية.
«كار» لم يكن الوحيد الذى تناول هذه المسألة، لكن كتاباته تنفرد برؤية تاريخية تحاول الربط بين الماضى والمستقبل.
جاء السياسى الأمريكى ديفيد ديوك ليكمل المشهد بكتابه “نزعة التفوق اليهودى”، وطرح فيه أن فكرة الاختيار والتفوق، ليست سوى أداة صدام مع بقية سكان الأرض، منذ لحظة الوجود الأول فى أرض كنعان، مرورا بالأساطير الدينية، وصولًا إلى السياسات الحالية.
فى لحظة أخرى من التاريخ، قال الفيزيائى الأمريكى الألمانى الأصل روبرت أوبنهايمر، مدير مشروع مانهاتن، بعد إلقاء القنبلة النووية: ”لقد جلبت الموت الجماعى إلى الأرض، كما جلب بروميثيوس الإغريقى النار إليها”، كان أوبنهايمر أحد قادة المشروع الذى أطلق القنبلة على هيروشيما وناجازاكى، وقد تحول هذا الموت الجماعى إلى أداة هيمنة عنصرية، مارسها الغرب فى فيتنام والعراق وأفغانستان وفلسطين.
والآن فى إيران، التى تتحول إلى كرة لهب، يتطاير منها الشرر، وكأن أحفاد أوبنهايمر استمروا فى هندسة الخراب.
منذ سنوات، يصرخ المفكر المصرى أحمد عز الدين، ويدق ناقوس الخطر، يحذر من اقتراب خيار شمشون، ذلك الخيار العقائدى القائم على تدمير الجميع، وها هو الخيار يترجم واقعيا على الأرض، لكن جرس الإنذار الذى ظل الرجل يقرعه لم يسمعه أحد!
فى المقابل، ارتكبت دول الشرق الأوسط أخطاء جوهرية، بعضها صدق إمكانية استعادة إمبراطوريات قديمة، على حساب التوازنات الثقافية والسياسية المحلية، فأضعفت نفسها، وشاركت فى مؤامرات تفكيكها، فى خضم ما سمى بالربيع العربى، وظهرت دول تتحدث عن براءتها التاريخية، وأخرى تحاول فرض سيادتها الرمزية، وثالثة اختارت أن تكون وحدها صاحبة المقدس، ثم تحولت الخريطة العربية إلى مشاع بين ثلاث قوى، تتصارع عليها برعاية أمريكية وأوروبية مزدوجة، فى استعادة وحنين إلى الاستعمار، تساعدها نخب ممولة، تنتظر اللحظة الحاسمة للانقضاض، ودرس إيران ماثل أمام الجميع.
فى مقال سابق، قلت إن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، يستخدم قانون الضغط الفيزيائى، وقانون الضغط فيزيائيًا يعنى أن الأجسام تقاوم القوة الموجهة عليها، فترامب يضغط فى اتجاه ليحرك الواقع فى اتجاه مضاد، ويبدو كمن يسير إلى الأمام، لكنه فى الحقيقة يعود إلى الخلف، وتتحرك السياسة بين يديه بقانون الفيزياء المعكوسة.
أما بنيامين نتنياهو، فقد استثمر ضعف الإقليم وتمزقه، واستخدم تفتيت الدول العربية، كورقة لتعزيز ما يسميه “الوعد التاريخى”، ويخطط لإزاحة السكان الأصليين لصالح جماعته، ويعزز هذا بتعاون غير مباشر مع أطراف إقليمية غير عربية، ترى أن لها حقا فى المكان ذاته.
فى ظل كل هذا، تظهر الأسئلة الحقيقية، هل نستطيع الآن تنظيف الجسد العربى من الخلايا النائمة، والتى تمهد للاختراق والسيطرة، خصوصا بعد أن بدت إيران، وكأنها معسكر مفتوح للجواسيس؟
هل يمكن أن نقفز إلى المستقبل فورا، باستيعاب الثورة الصناعية الرابعة، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى، وتوظيف أدوات الاتصال الفائق لصياغة مشروع عربى جديد؟
هل نستطيع كتابة ورقة فلسفية جديدة، تعتمد على تسليح الناس بالوعى، فالأمر جلل بالفعل؟
2025-06-19
