وثيقة بنرمان المشؤومة ما حقيتها ، ولماذا فلسطين تحديدًا!
رنا علوان
في عام 1907 قرر كامبل بنرمان أن يدق أول مسمار في نعش الدول العربية ، ومع شديد الأسف ، نجح بنرمان
يقول كامبل بنرمان في هذا المؤتمر الخبيث [ان الإمبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حدٍّ ما ثم تنحل رويدًا رويدًا ثم تزول ، وربما يعود ما استعان به كامبل من قول الى نظرية ( ابن خلدون ) ففي هذا السياق تعد نظرية المؤرخ والعلامة بن خلدون ، حول أسباب نشوء الدول وسقوطها ، التي فصّلها في كتابه «المقدمة» الأكثر وضوحًا وشيوعًا
والواقع أن أرسطو في كتابه «السياسة» ، سبق ابن خلدون في التنظير لنشوء الإمبراطوريات ، حين شبّهها بالكائن العضوي الذي يمر بمرحلة الطفولة فالصبا والشباب والكهولة والشيخوخة ، والموت
لكن أرسطو لم يُنشئ نظرية متكاملة تتناول أسباب صعود وسقوط الإمبراطوريات ، مثل ما فعل ابن خلدون في مقدمته الشهيرة
اعتبر ابن خلدون «العصبية» ، الركن الأساسي في نشوء الدول وتوسعها وحيويتها
وحسب نظريته ، تمر الدول بثلاث مراحل هي [ العصبية والعمران والشيخوخة ] ، وإن طول وقصر زمن الإمبراطوريات مرهون بفترة (عصبيتها) ، فكلما طالت فترة العصبية ، كلما طال عمرها ، وكلما تشذبت عصبيتها ودخلت بقوة العمران ، كلما اقتربت من الشيخوخة والسقوط
إن مرحلة العمران هي الفترة التي تسترخي فيها الإمبراطورية وتتضاعف خلالها كلف الحكم ، ويضطر الحاكم إلى زيادة المكوس ( أي الضريبة )
وتتوسع بمرحلة العمران دوائر الحكم ، وتشهد صراع العسكري ، ويبدأ الفساد في نخز أجهزة الإمبراطورية ، وتتآكل حدودها وممتلكاتها فتبدأ مرحلة الشيخوخة فالانهيار والسقوط
هنا قال بنرمان مُخاطبًا الحضور ، ( نحن في مرحلة الصعود وصولاً الى القمة ، وانه ينتظرنا مرحلة الانحدار ،
فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أو تؤخر مصيره؟؟؟
وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها ، بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية ، هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا ]
تلك كانت الكلمة الافتتاحية لرئيس وزراء بريطانيا في المؤتمر المزعوم الذي عُقد ، وكان أول من أشار إلى تلك الوثيقة باحث هندي كان يقوم بالبحث في أرشيف وزارة الخارجية البريطانية في عام 1937 ويبدو أنه توصل إليها عندما كان في لندن في إحدى الجامعات البريطانية ، [ ولكن فيما بعد فقد اختفت هذه الوثيقة تمامًا ولم يتم العثور عليها ابدًا ]
ولكن السؤال هنا ، هل اختفاء هذه الوثيقة يعني عدم وجودها ؟؟؟
الجواب ، بالطبع لا
إن انعقاد مؤتمرات استعمارية إمبريالية في تلك الفترة كان أمرًا صحيحًا وحقيقيًا ، وتوجد في الوثائق البريطانية مئات الملفات والوثائق والشواهد حولها ، غير أن نص الوثيقة المسماة وثيقة كامبل بنرمان غير موجود بين هذه الوثائق ، وقد تم إخفائها ، كحال العديد من الوثائق
كامبل بنرمان هو Henry Campbell-Bannerman رئيس وزراء بريطانيا United Kingdom و هو ينتمي إلى الحزب الحر البريطاني أو حزب الأحرار البريطاني من 1899 إلى 1908 والذي سبق له أن خدم في إدارة المستعمرات البريطانية مرتين Secretary of State for War and the Colonies في مكتب Gladstone و Rosebery .
هذا الرجل شغل منصب First Lord of the Treasury أو Prime Minister رئيس وزراء الذي برز خلال مؤتمر 1907 الذي يجب أن لا ننساه أبدًا لأنه من أهم المحطات
[ التي أسست لتقسيم العالم العربي والتي تعد الخطوة الثانية بعد إضعاف هذا العالم و خلق منطلق للإنقسامات التي ستعيشها هذه المنطقة لاحقا ]
تم التغطية على المؤتمر بشكل غير مسبوق فالدول التي شاركت في المؤتمر كانت تسوقه كمؤتمر لأجل السلام ونزع السلاح مع دول كانت في دائرة محور الشر كالدولة العثمانية وألمانيا مع العلم أن الدولتين لم تكونا مدعوتين إلى المؤتمر
لقد وزَّع بنرمان خرائط الوطن العربي على الحضور ، قائلاً
هذه المنطقة هي ( سر قوتتا ) ، هم يمتلكون كل مقومات النهضة ، وجميعهم يتكلمون لغة واحدة ، ويعتنقون دين واحد ، إلا قلة منهم ، واذا نهضوا سيحكمون العالم اجمع ، فهم جل ما يحتاجون له هو قيادة صالحة ، ( فما إن امتلكوها تطور حالهم الى احسن حال )
صرّح بنرمان بالبنط العريض [ نحن نريد أن لا ينهضوا ]
هذه المنطقة تستطيع ان تخنق العالم بأكمله لو نهضت ، وهي تملك المقومات الوافرة لذلك ، إحداها من خلال مضيق هرمز ، وباب المندب ، وقناة السويس ، ومضيق جبل طارق
ناهيك عن انها تشرف على افريقيا وآسيا وشبه القارة الهندية
لذلك يجب ان تبقى ضعيفة ، مشتتة ومتخاصمة ، وإلا ستهدد عروشنا
والحل [ زرع جسم غريب في المنطقة ، لديه ثلاث أهداف لا أكثر ]
_ أن يكون ولائه للغرب
_ أن يجعل المنطقة في حالة لا توازن دائم
_ محاربة أي توجه وحدوي فيما بينهم
هنا كانت الفرصة الذهبية ل ( حاييم وايزمان חיים עזריאל ויצמן ، وهو يُعد أشهر شخصية صهيونية في التراث الصهيوني بعد تيودور هرتزل )
فعرض ولائه لهذه الدول السبع ، بشرط الإبقاء على المساعدة المستمرة لهم ، ومن هنا تمخضت فكرة انشاء الكيان الغاصب في المنطقة
والنتيجة ، تحقيق ايجاد التفكك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها
ولذا أكدوا فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوية ، وضرورة إقامة (الدولة العازلة) Buffer State ، عدوّة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية
( وهكذا قامت المزعومة إسرائيل ، بعد ولادتها على يد سايكس بيكو ، فلا جذور ولا هوية ولا دين ولا اي شيء سوى المكر يربطها بما تحقق لها من وجود مؤقت )
أما لماذا في فلسطين تحديدًا
لأنها كانت اهم بلد نهضوي وصناعي بين هذه الدول ، وليس لسبب ديني بحت ، كما يعتقد البعض ، فالغرب لا يهتم للامور الدينية ، فهو يعرف جيدًا ان الدين هو طريق سهل تُؤكل منه الكتف
(ولو أنكم عدتم ادراجكم للبحث في ارشيف المنطقة ستجدون ، ما يثبت كلامي هذا )
لقد كانت فلسطين تضم 1236 مصنعًا ، وكانت تملك أولى المطاحن الآلية في حين كان العالم كله ما زال يطحن القمح يدويًا ، أما في عام 1911 أنشأت فلسطين أول مصرف عربي
وكانت فلسطين اغناهم ، ففي خبر ( من جملة العديد منه ) نُشر في جريدة الجامعة العربية سنة 1935
[ تجار مدينة الخليل يتبرعون لفقراء السعودية بمبلغ 13 الف جنيه فلسطيني ، اي ما يُعادل في تلك الحقبة أيضًا 15 الف جنيه استرليني ذهب ] وذلك نقلاً عن الديوان الملكي السعودي
وفي خبر ثانٍ [ الفلسطينية الغزاوية مكرمة ابو خضرة تتبرع ببناء مستشفى في المدينة المنورة بتكلفة قيمتها 10 الاف استرليني ذهب ]
وفي خبر ثالث نُشر في الجريدة عام 1947 تحت عنوان عريض [ فلسطين تكفكف دموع مصر ] بعد ان قدمت للأخيرة مُساعدات اثناء انتشار وباء الكوليرا
ختامًا ، هذا الشعب الفلسطيني الذي وقف صامدًا في وجه هذا المشروع منذ بدايات القرن العشرين وإلى اليوم يواصل كفاحه ونضاله من أجل إستعادة حقوقه المشروعة وإسقاط هذا المشروع الإستعماري فوق أرضه ووطنه ، ( رافضًا عروض التوطين التي تُقدم له )
ليس دفاعًا عن حقوقه فقط وإنما دفاعًا عن الحقوق العربية والإسلامية والمسيحية في المنطقة
ويُمثل روح العصر والإنسانية في مواجهة (المستعمرة الإسرائيلية) التي تمثل العنصرية والإستعمار البغيض الذي يذكي نار الصراع في المنطقة ، ويهدد الأمن والسلام العالمي
أما العرب ( فلعلكم تتذكرون ، انكم كنتم خير امة اُخرجت للناس )
2023-08-21