بانتظار عبور الجيش العربي السوري إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات منذ العام 2018، وبعد التهديد بالإجتياح التركي لشمال سوريا، هل آن أوان العبور؟ حلم يراود جميع السوريين ولربما بات أملاً لغير السوريين أيضاً. ولكن إمكانية ذلك كانت وما تزال بالشكل العام ترتبط بقرارات دولية مع وجود ثلاث جيوش كبرى في المنطقة وبشكل علني، الجيش الأميركي والجيش التركي والجيش الروسي، هذا إضافة إلى قوة صغيرة من الجيش الفرنسي، مما يجعل مستقبل المنطقة محفوفًا بالمخاطر؛ ولكن يبدو أن هناك تغييرًا يلوح في الأفق القريب “جداً”، وكما قال مصدر لموقع “العهد” إنها: “تداعيات تفجير تقسيم”، والتي ستغيّر خارطة انتشار الجيش العربي السوري!
يوم الجمعة الفائت أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن نية بلاده من البدء بعملية كبيرة في الشمال السوري هو “إقامة حزام أمني من الغرب إلى الشرق” على طول حدود بلاده الجنوبية. وهو يريدها منطقة أمنية بعمق 30 كم في داخل الراضي السورية، وذلك بعد تفجير تقسيم بيوم واحد. لم يقل أردوغان أي شيء جديد. ولكن اتهام وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في اليوم التالي للإنفجار حزب العمال الكردستاني بالعملية الإرهابية له دلالاته، وخصوصاً، أنه أُتبع برفض صويلو تعزية الرئيس الأميركي جو بايدن بضحايا الإنفجار واتهم أمريكا بوقوفها خلف الإنفجار.
من الواضح أن تحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن العملية الإرهابية، سببه دعم أمريكا لـ”قسد”: قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها تركيا الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني. كما أن تصريح أردوغان أن التخطيط لتفجير تقسيم قد تم في مدينة عين العرب، التي يسميها الأكراد بكوباني، والتي انتزعتها “قسد” من “داعش” في العام 2015 بدعم أميركي، له دلالات عاطفية بالنسبة لأردوغان.
منذ تفجير تقسيم، وتركيا تجري سلسلة من الغارات الجوية والقصف المدفعي على شمال سوريا وبعض مواقع المقاتلين الأكراد، تحت مسمى “عملية المخلب ــ السيف”. ويبدو أن أردوغان يأمل باستعادة السيطرة على كل من تل رفعت ومنبج، اللتان حررهما الجيش السوري في العام 2019، واللتان تتعرضان للقصف التركي بذريعة محاربة الإرهاب الكردي، إضافة إلى مدينة عين العرب، ولكن ما هو الموقف الأميركي؟ وماذا يقول السوريون حول ذلك؟
لا يمكننا أن ندعي أن الأميركي وقف موقف اللامبالي تجاه التصريحات برفض التعزية، مع العلم أن مولود تشاوش أوغلو وزير الخارجية التركي عاد فشكر بايدن على موقفه خلال اجتماع القمة في بالي. وبعدها اجتمع بايدن في 15/11 مع أردوغان بحضور وزراء الخارجية والمالية والدفاع الأتراك، اجتماع لم يرشح عنه سوى تقديم أميركا الدعم لتركيا بمواصلة بيع طائرات اف- 16 والتأكيد بأن تركيا لاعب أساسي في الناتو. لكن لحضور وزير الدفاع دلالاته في اجتماع الرئيسين، صحيح أن أميركا لم تعلن موافقتها على العملية العسكرية، ولكنها بالتأكيد لم تنفها. ويبدو من خلال لقاء بالي أن أمريكا تدرك أنها وضعت نفسها بين كفي كماشة ما بين تركيا والأكراد.
أعلن تشاوش أوغلو في الأسبوع الماضي أن تركيا ليست بحاجة لإذن أحد للقيام بالعملية. خاصة وأنها كانت قد أوقفت عملياتها في شرق سوريا في العام 2019 بناء على نص اتفاق رعته واشنطن، وأطلقت كل من الولايات المتحدة وسوريا بوعود بإنسحاب القوات الكردية إلى عمق 30 كم. هذا على المقلب الأميركي، ولكن ماذا عن كل من سوريا وروسيا؟
لقد نبهت روسيا أردوغان مراراً وتكراراً، أنها متواجدة في شرق الفرات، وقد عبرت قواتها النهر في العام الماضي إلى مدينة الحسكة بالذات. وأما سوريا، أم الصبي، فلن تقبل بدخول اردوغان إلى عمق 30 كم واحتلال المزيد من الأراضي السورية! وقد صرح الرئيس بشار الأسد من قبل: “أن أي اجتياح بري تركي سيواجه عسكرياً ولن يسمح به، وحتى اليوم دمشق صامته، ولكن كما عهد الجميع فإن المواقف المبدئية تبقى ثابته في دمشق”.
مبدئياً، روسيا تصر على تطبيق اتفاق آستانة، والذي يقضي بالإنسحاب التركي النهائي من شمال سوريا، وتسليم الحدود للجيش العربي السوري، وتحرير طريق الـM 4 من الإرهابيين الذين تدعمهم أنقرة. وبحسب مصدر “العهد”، يبدو أن تركيا ستمضي في عمليتها الجوية، مبررة أن هدف العملية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والعراقية من خلال ضرب المشروع الكردي، وأن ما سيحدث هو التالي:
1- إن الأسبوع القادم سيشهد تغييراً في الخارطة السورية، لأن “الجيش السوري سيعبر النهر”. وسيدخل إلى مدن منبج وعين العرب وأعزاز.
2- إن العملية العسكرية التركية ستستمر جوياً دون اجتياح حتى استلام دمشق الحدود وإبعاد الكردي عنها نهائياً.
3- لا يمكن للعملية التركية أن تتجاوز الخطوط الحمراء، التي رسمتها روسيا، وبناء عليه، وعلى الأحداث الأخيرة فقد أعاد الجيش السوري انتشاره في الآونة الأخيرة دون لفت الإنتباه إليه.
4- سيدخل اتفاق أستانة حيز التنفيذ: سيبعد الأكراد إلى عمق 40 كم في الداخل السوري، وسيأخذ الجيش العربي السوري الحدود والـ M4، أي طريق حلب- اللاذقية الدولي.
5- في الشكل العام هذا يدل على تقارب سوري – تركي، المصلحة المشتركة فيه هو ضرب الجماعات الكردية المسلحة، وضرب المشروع الكردي الذي يرعاه كل من الأميركي والإسرائيلي في المنطقة. ولقد أيقن التركي أن مصلحته الأمنية تكمن باستعادة سيطرة الجيش السوري على حدود البلاد.
6- لقد أعطى تفجير تقسيم التركي الذريعة من أجل بدء الهجوم، ولكن رغبة أردوغان الحقيقة من خلال تنفيذها هو كسب المعارضة أولاً. وعلى المقلب السوري، فإن سوريا لا يمكنها إلا التحرك باتجاه الحدود وعبور نهر الفرات إلى الضفة الشرقية من أجل وقف أي اجتياح أو احتلال تركي. فسوريا لن تقف متفرجة أمام أي احتلال تركي لأراضيها.
ويبدو أن سوريا تستعد جدياً وعملياً لدخول مدينة عين العرب. وأنها ستستكمل امتداد الجيش العربي السوري نحو شرق النهر، بعد أن كانت قد توقفت عند ضفته الغربيه في العام 2019، وستستكمل السيطرة على أراضي الجزيرة السورية كاملة.
تداعيات هذا التحرك هي أكبر بكثير من مجرد عودة الجيش السوري، إنها تعني فعلياً نهاية المشروع الكردي، وحتى أن تصريح القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، تظهر انهم يتحسسون روؤسهم، وأن أمريكا بسماحها للعملية العسكرية التركية، وعدم وجود سياسة واضحة من قبلها فيما يتعلق بمستقبل شرقي سوريا “يجعل من الصعب علينا التفاوض مع دمشق”. ويبدو أن العبد المظلوم لم يفهم بعد خيانة أميركا لعملائها في أفغانستان وبعد خيانة “داعش” في سوريا والعراق، أنه ليس من الصعب عليها رمي الأكراد الانفصاليين لصالح مصالحها أيّاً كان حجمها، خاصة وأنها اليوم غارقة إلى أذنيها في الحرب مع روسيا، وأن النفط الذي تنهبه من سوريا لن يخرجها من أزمتها الاقتصادية المتفاقمة، بل بات وجودها في سوريا مع تكرار الضربات المقاومة على قاعدة العمر أمر تجب فيه إعادة النظر.