هل من مصداقيّة للدور الأميركيّ في منطقة الشرق الأوسط؟
ما يدور في المنطقة هو حرب حول فلسطين، وهو انعكاس لما يحصل في غزة، فيما تحاول الولايات المتحدة إرسال مبعوثيها إلى لبنان كمثال لفرض شروطها وحماية “إسرائيل”.
هدى رزق
تلاعبت الولايات المتحدة بأسباب المشكلة الفلسطينية في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي أدى إلى حرب دموية حاولت إيران ضبط إيقاع حلفائها لئلا تنفجر كحرب كبرى. أخفت واشنطن أن ما حصل في 7 أكتوبر هو مشكلة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين الذي يمارس حركة استيطانية لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ولم يفد تغييب تسمية الصراع الذي يمتد منذ 75 عاماً عبر تسميته بمشكلة إسرائيلية مع حماس، بعد أن أظهرت “إسرائيل” وحشية قل نظيرها في حرب قتلت نحو 28 ألف فلسطيني حتى الساعة.
أكدت الحرب أنّ حل الدولتين كان مشروعاً وهمياً، بل أنّ الهمّ الأساسي لأصحاب المشروع كان طرد أهالي غزة وتهجيرهم إلى سيناء. ولم تستطع “إسرائيل” القضاء التدريجي على القضية الفلسطينية، بعد سلسلة حروب ضد قوى المقاومة الإسلامية التي أيقنت أن الاتفاقات الإبراهيمية هي طريقة لدفن القضية الفلسطينية.
عملت محاولات الغرب وإعلامه على تصوير عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر على أنها حرب “إسرائيل” على “الإرهاب الذي قتل وذبح الإسرائيليين”، وأن وقوف حزب الله في لبنان لنصرة غزة وموقف أنصار الله في اليمن وحزب الله في العراق، هي حرب إيران على “تل أبيب”، وأنها تعمل لحماية العالم الحرّ.
أقنعت “إسرائيل” بعض الجمهور الغربي لفترة، أنّ لها حقّ الدفاع عن نفسها، لكن أمام تمدّد الحرب واستمرارها والإبادة الجماعية التي تعرّض لها الفلسطينيون بمساندة الولايات المتحدة والغرب الأوروبي، تمّ فضح الممارسات الاستعمارية التي كان من المفترض أنها لم تعد جزأ من العالم الجديد.
عمدت “إسرائيل” على التدمير التدريجي لغزة وضرب إمكانية مقاومة الضفة الغربية، وفرضت مبدأ “الموت أو الهجرة”، عبر عنوان تدمير حماس، فيما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصرّح بأن “جميع الأراضي من النهر إلى البحر يجب أن تكون تحت السيطرة الإسرائيلية”. ويقوم المستوطنون بحملات من أجل إعادة الاحتلال وإنشاء مستوطنات غير قانونية في غزة، ويمارسون الإرهاب لمنع وصول المساعدات إلى من تمّ تهجيرهم من أهالي غزة.
تشجيع الحرب على إيران
كانت فصائل المقاومة العراقية قد أعلنت منذ احتدام الحرب في غزة، أنها قرّرت نصرة شعب فلسطين المظلوم وفقاً لواجبها المقدّس. إعلان المقاومة الإسلامية العراقية استهداف قاعدة البرج الأردنية بالقرب من الحدود السورية على مقربة من قاعدة التنف، أدى إلى مقتل ثلاثة من الجنود الأميركيين. ففي هذه القاعدة يتمّ تدريب وتجهيز المعارضة السورية المقيمة في مخيم الركبان، وعند تقاطع الحدود السورية والأردنية والعراقية يراقب الأميركي مرور الأسلحة من إيران إلى سوريا عبر العراق، ويعمل على تسهيل الهجمات الإسرائيلية في العراق وسوريا.
حمّلت إدارة بايدن إيران المسؤولية وتوّعدت بتقديم الردّ اللازم، الذي اعتبر بمثابة تهديد لإيران التي رفضت هذا الادعاء، وأكدت أنها لا تريد الحرب مع الولايات المتحدة، فيما أعلن حزب الله العراقي، أنه أوقف هجماته على القواعد الأميركية حتى لا يترك الحكومة العراقية، التي تتفاوض مع واشنطن بشأن انسحاب القوات الأميركية في وضع صعب.
على أثرها أدلى بايدن بتصاريح للصحافة الأميركية بأنه لا يريد حرباً واسعة النطاق في الشرق الأوسط، كذلك كرّرت الأجنحة العسكرية والسياسية الأميركية بأنّ إيران من جهتها لا تسعى للحرب في المنطقة. إلا أن تنفيذ قوات السنتكوم الأميركية عملية بالصواريخ على سيارة في بغداد أسفرت عن مقتل قائد كتائب حزب الله أبو باقر السعدي، يمثّل تصعيداً بين واشنطن وقوى المقاومة داخل العراق، تحت حجّة أن الساعدي كان مسؤولاً عن التخطيط المباشر والمشاركة في الهجمات على القوات الأميركية في المنطقة، حيث من المحتمل أن يولّد هذا الاغتيال الانتقام.
ويمثّل الهجوم الجولة الثانية من الانتقام من قبل الولايات المتحدة ضد الفصائل العراقية بعد أن شنّت هجمات جوية في العراق وسوريا يوم الجمعة الماضي. ويعتمد المسؤولون الأميركيون التضليل السياسي حول تسمية قوى المقاومة في العراق وسوريا واليمن ولبنان بـ “وكلاء إيران”، فهذه المقاومات هي في الأساس مقاومة للاحتلال الإسرائيلي والأميركي الذي يعمل لفرض هيمنته في المنطقة.
دائماً ما يتم تبسيط ما يدور من رفض لاحتلال أميركا العراق، ومحاولة سيطرتها على البحر الأحمر، ودعمها للحرب في غزة، والتدخّل في فرض ابتعاد حزب الله عن الحدود إلى ما وراء الليطاني خدمة للاحتلال الإسرائيلي، بالادّعاء أنّ هذه القوى تعمل لخدمة الأجندة الإيرانية وكأنها لا تملك أجندتها الخاصة.
مأزق السياسة الأميركية كان في دعمها حرب “إسرائيل” بلا قيود، وعجز “تل أبيب” عن تنفيذ أهداف الحرب المعلنة، وإنّ تدخّل واشنطن لمساعدتها جعل منها طرفاً مشاركاً فكيف يمكنها اقتراح حلول. في وقت تشيع أنها تتجنّب الحرب، إلا أنها عملياً تقوم بمنع امتداد الحرب إلى الحدود مع فلسطين منعاً لتضرّر “إسرائيل”، وهذا ما وفّر لـ “تل أبيب” الفرصة لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية.
ما يدور في المنطقة هو حرب حول فلسطين، وهو انعكاس لما يحصل في غزة، فيما تحاول الولايات المتحدة إرسال مبعوثيها إلى لبنان كمثال لفرض شروطها وحماية “إسرائيل”، وفرض مراقبة عسكرية على الحدود السورية العراقية، والتعرّض لليمن للسيطرة على قوس البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
قال وليم بيرنز رئيس الاستخبارات الأميركية إنه “لم يرَ الشرق الأوسط بهذا التعقيد والجاهزية للانفجار خلال الأربعين سنة الماضية”. وهذا واقع لأن الولايات المتحدة لم تستطع أن تقوم بإنجاز ما وعدت به مند أوسلو، بل كانت تراوغ مع “إسرائيل” من أجل إنهاء القضية عبر التطبيع. وهي منفصلة عن حقائق الشرق الأوسط اليوم لكن لم يعد بإمكانها تجاهل فلسطين، وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وتزويد “إسرائيل” بالحماية المطلقة.
أما الشروط التطبيعية التي تقدّمها بعد طوفان الأقصى فلم تعد تصلح للمرحلة التي تمّ فيها تحطيم القيود، لم يعد هناك في غزة ما يمكن أن يفقده الناس، لذلك من الضروري إعادة تسمية المشكلة في الشرق الأوسط باسمها الحقيقي، حيث تقوم “إسرائيل” باستكمال احتلال فلسطين في نكبة ثانية أمام أعين العالم، الذي أمضى سنوات طوال منذ الحرب العالمية الثانية في تبرير احتلال فلسطين بالهولوكوست، والبكاء على ظلم النازية لليهود.
لم يعد النظام الأميركي في الشرق الأوسط متماسكاً، أميركا مارست القتل في سوريا على إيران إلى جانب “إسرائيل” عبر اغتيال قادة في حرس الثورة، وهي أتت بأساطيلها وهدّدت وشاركت في التخطيط، ما يسمح بالقول إنها لم تستطع أن تتمايز عن نتنياهو. صحيح أنها ستظل لاعباً رئيسياً في المنطقة بسبب قوتها العسكرية، لكن ما كشفت عنه حرب غزة كان حدود القوة الأميركية وخروج المنطقة بعد الممارسة الإسرائيلية من أوهام قوّتها، وانكشاف وجهها الحاقد ضدّ العرب والمسلمين. ما أثار دهشة أجيال عربية كانت قد بدأت تتجه نحو تصديق الرواية الصهيونية الأميركية حول “الإرهاب” وإيران والسلام.
أما الصدمة الكبرى فكانت من نصيب الشباب الأميركي الذي رأى ازدواجية المعايير والإبادة الجماعية ترتكب باسمه، بينما يجرى سحق حقوق الإنسان والديمقراطية عبر منع المعلومة الإعلامية عنه في جميع وسائل التواصل التي يملكها الصهاينة.
2024-02-11