هل سينهار اقليم (كردستان)!
رنا علوان
في تسعينيات القرن الماضي ، حازت اميركا على وفاق متبادل بينها واقليم كردستان ، وعملوا معًا للإطاحة بصدام ثم تنظيم داعش ، إذ كانوا يأملون بتحقيق الازدهار والديموقراطية ، لكن الرياح جرت بما لم تشتهِ السفن ، فاصبح الأقليم اسوء والأمور فيه قاتمة ، كما ان المؤسسات السياسية في المنطقة باتت ممزقة بسبب الانقسامات الحزبية ، وعدم المساواة الاقتصادية وانعدام الفرص ما دفع بالكثير الى الهجرة ، بُغية البحث عن حياة أفضل في الخارج
وكان من المقرر أيضًا إجراء الانتخابات البرلمانية في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2022 في إقليم كردستان العراق ، لكنها أُرجئت إلى 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 ، نظرًا لعدم تمكن الأحزاب من التوصل إلى اتفاقٍ بشأن النظام الانتخابي
وتجدر الإشارة إلى أن كلاً من البرلمان والحكومة قد انتهت ولايتهما التي دامت لمدة أربعة سنوات في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ، وأعلن رئيس إقليم كردستان أنه سيتم تأجيل الانتخابات مجددًا، وتقرر إجراؤها في 25 شباط/فبراير 2024
رغم أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني” اتفقا على إجراء الانتخابات في الموعد الذي قرره رئيس إقليم كردستان العراق ، الا ان الاحزاب لم تتمكن من التوصل الى اتفاق مُفصل بشأن حصة الأقلية المثيرة للجدل ، ولا شيء يضمن تنظيم الانتخابات في الموعد المحدد لها في شهر شباط/فبراير 2024
لذلك يتجه إقليم كردستان العراق اليوم ، إلى حالة من عدم اليقين السياسي والمالي غير المسبوق نتيجةً للخلافات المتزايدة بين الأحزاب الحاكمة والتدابير التي تتخذها الحكومة المركزية بهدف تقويض الحكم الذاتي الذي يتمتع به الإقليم
وازاء ما يحدث من فوضى بعث بارزاني يحذّر ، في رسالة إلى بايدن ، من انهيار كردستان العراق ويحثّه على الوساطة والتدخلَ في الأزمة المتفاقمة مع الحكومة الاتحادية في بغداد ، مُعربًا عن قلقه من احتمال انهيار إقليم كردستان كيانًا إذا تُرِكت الأزمة دون رادع
وجاء في فحوى الرسالة التي وجهت لبايدن بتاريخ 3 أيلول من هذا العام ، [ أكتب إليكم الآن ونحن على مفترق أزمة أخرى بتاريخنا ، أزمة أخشى اننا لن نتجاوزها بيُسْر … نحن ننزف اقتصاديًا وسياسيًا ، أنا أشعر للمرة الأولى منذ أن توليت منصب رئاسة وزراء الإقليم ، بقلق بالغ من أنَّ هذه الحملة المشينة التي تُشن علينا، ربما تتسبب في انهيار النموذج الفيدرالي العراقي الذي رعته أميركا منذ عام 2003 ، وحرصت على استمراره حتى الآن ]
وأردف البارزاني قائلاً عن قدرة واشنطن على نزع فتيل الأزمة [ نحن نعتقد أنَّ إدارتك تمتلك نفوذًا كبيرًا في بغداد ]
وأوضح البارزاني في رسالته [لقد وافقت حكومة إقليم كردستان منذ ذلك الحين ، على تقديم تنازلات استثنائية ، في المفاوضات مع بغداد ، على أمل تأمين مستقبل شعبها ، لكن، يؤسفني أن أبلغكم أنهم فعلوا الخلاف ، إذ جوبهت النيات الحسنة التي أبديناها ، بموافقتنا على أن تتولى الحكومة الفيدرالية تسويق نفطنا ، مقابل حصة عادلة من الميزانية الفيدرالية ، بالتجاهل التام ]
في المقابل رفضت وزارة الخارجية الأميركية التعليق على رسالة بارزاني ، حيث قال مسؤول في البيت الأبيض [نحن لا نعلق على الاتصالات الدبلوماسية الخاصة] ، وفعلاً لم يحصل اي ردّ من البيت الأبيض على رسالة بارزاني بعد
عبر المسؤولون الأكراد العراقيون مرارًا ، عن إحباطهم بسبب ما وصفوه أنه لامبالاة متنامية من جانب أميركا إزاء محنتهم ، حيث لم ترُد على رسائلهم ، ولم يعد المسؤولون الأميريكيون الكبار يتفاعلون بالطريقة نفسها التي كانوا يتفاعلون بها في ظل الإدارة السابقة ، فقد كان وزير الطاقة الأميركي يتصل ببارزاني كل شهر
أما منشأ الخلاف من وجهة نظر بغداد ، فإنَّ الأكراد كانوا يبيعون النفط العراقي المنتج في إقليم كردستان ، بيعًا لا قانونيًا عبر تركيا ، دون موافقة الحكومة الاتحادية ، منذ عام 2014 ، لذا ، رفع العراق الأمر إلى محكمة تحكيم دولية ، ففرضت على تركيا دفع غرامة قدرها (1.5) مليار دولار لبغداد. أوقفت تركيا تدفق زُهاء (400.000) برميل من الخام الكردي في اليوم ، ما حرم الأكراد من عائدات قيمتها خمسة مليارات دولار في الأقل ، منذ توقف الصادرات
يعتقد كين بولاك (محلل استخباراتي سابق في وكالة الاستخبارات المركزية”سي ىي ايه” ، كما الباحث في “معهد انتربرايز الأمريكي” والذي كتب بشكل مكثّف حول العراق ، وزميل بارز في معهد أميركان إنتربرايز) أنَّ الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر ، ويمكن أن يؤدي إلى تجدد الصراع العرقي في العراق ، كما (أنَّ اهتمام واشنطن بالبلد ، تراجع إلى مرتبة متدنية إزاء ملفات مُلحّة أُخَر ، مثلًا ( هل يمثل العراق أولوية لأميركا ، أهم من التقارب السعودي الإسرائيلي؟
من الصعب أن نقول إنه كذلك ، (مع أنَّ الأكراد يفهمون الأمر من الناحية العقلية ، إلا أنهم لا يستسيغونه عاطفيًا ، إنهم يرغبون كثيرًا في أن يصدقوا أنَّ أميركا ما زالت ملتزمة إزاءَهم التزامًا كاملًا)
هذا وقد أشار مسؤول في الإدارة الاميركية ، إلى أنَّ الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ، بحاجة إلى تسوية نزاعاتهما ، قبل توجيه أصابع الاتهام إلى اميركا
ولقد خاض الطرفان الحرب في التسعينيات ، حيث كانا في اعلى درجات عدم الثقة بينهما ، لدرجة أنهما لم يوحدا بعد قوات البشمركة تحت قيادة واحدة
إنَّ الفساد المستشري ، مع تراكم جزء كبير من ثروة كردستان في يد عائلة بارزاني وعائلة طالباني التي تدير الاتحاد الوطني الكردستاني يغذي الى حد كبير ( السخط الشعبي ) ويضعف أحلام الاستقلال
واشار التقرير الى ان المحلل الاستخباراتي السابق بولاك ، يؤكد ان الوضع الراهن غير قابل للاستمرار وقد يقود الى تجدد الصراع الاهلي في العراق ، وان العراق اذا ضعف ازدادت مع هذا الضعف ايران قوة ، وهو ما يتعارض مع المصالح الامريكية
وخلص بولاك الى القول انه في كلتا الحالتين ، فإن الحل الامثل للعراق والكرد هو الطلاق الودي ، مضيفًا أن “عقد القران كان تحت الإكراه من البداية”
يوّلد هذا الانقسام بين( الأكراد الشكوك وعدم اليقين) بشأن الانتخابات ومخاوف بشأن المعايير الديمقراطية ، كما يترك أيضًا الأحزاب الكردية عرضةً لتدابير الحكومة المركزية التي قد ترسّخ هذه الانقسامات
ولقد تَبيّنَ منذ إجراء الاستفتاء حول الاستقلال في عام 2017 ، بعد ان خسر إقليم كردستان مدينة كركوك الغنية بالنفط ، ونظرًا إلى تطويق بغداد المتزايد لإقليم كردستان، يتطلب ربما مستوى الخلاف الحالي المثير للقلق بين “الحزب الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني” إبرام اتفاق أكثر شمولًا وجديةً يشبه “اتفاقية واشنطن” لعام 1998
وإذا لم يتم التوصل إلى هذا الاتفاق ، قد يتسع نطاق الشقاق بين الحزبين السياسيين ويتسبب بتزايد الانقسام الداخلي في إقليم كردستان العراق ، وزيادة اعتماد الإقليم على بغداد ، وزيادة تَعَرّضه للنفوذ الذي يسعى إلى تقويض حكمه الذاتي
نستنتج كيف ان الغرب يدير ظهره إلى عائلة بارزاني ، بسبب المتغيرات العالمية الجديدة ، وولادة العالم الجديد ، وتقدم أولويات وتأخر أولويات ، ومع الحالة الصحية المتردّية لمسعود بارزاني ، وموته المترقب سيُعَجِّل هذا الظرف بتفكك الحكم الذاتي في الإقليم ، ما قد يؤدي حتمًا الى انفجار الوضع في اربيل
2023-09-18