هل سيتعذر تعيين قائد جيش جديد في لبنان بسبب الشغور الرئاسي!
رنا علوان
يُفترض أن يغادر العماد جوزيف عون الذي تصدر اسمه المشهد في الأشهر الماضية كمرشح لرئاسة الجمهورية ، منصبه في قيادة الجيش مع بلوغه سن التقاعد في 10 يناير/كانون الثاني 2024 ، وسط خلافات سياسية ودستورية كحال مختلف الاستحقاقات العالقة ، وعلى رأسها الشغور بسدة رئاسة الجمهورية
بحسب قانون الدفاع الوطني الصادر سنة 1983 ، يتم تعيين قائد الجيش من بين الضباط العامين المجازين بالأركان بمرسوم مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني. ويحمل قائد الجيش رتبة عماد ويسمى “العماد قائد الجيش” ويرتبط مباشرة بوزير الدفاع الوطني
وفي ظل التوترات الأمنية التي يعيشها لبنان على الحدود مع فلسطين المُحتلة ، تتجه الأنظار الى الساحة الداخلية اللبنانية بمصير قيادة الجيش ، حيث انقسمت الأطراف السياسية بين مؤيد للتمديد مشروطًا بجملة توافقات حول التعيينات العسكرية ، وبين رافض له مع المطالبة بتعيين رئيس أركان بالإنابة ، ومنهم من يتذرع بأنه هناك تعذر قائم حول تعيين قائد جيش جديد بسبب الشغور الرئاسي
بما ان هذا المنصب هو من حصة الطائفة المارونية ، ومن يتعيين فيه يكون له حظوظ قوية لإعتلاء سُدة الرئاسة ، فقد جرى الحديث عن لائحة بأسماء ضباط اعدها الوزير جبران باسيل لترشيح أحداها لهذا المنصب
فرئيس التيار الوطني الحر جبران يرفض بشكل قاطع التمديد لجوزيف عون ، ويصر فريقه على تعيين قائد جيش جديد ورئيس للأركان ومديرين للإدارة والمفتشية العامة ، عبر توقيع مرسوم جوال من الوزراء
قوبل طرح باسيل بالرفض من معظم القوى السياسية والمسيحية بتعيين قائد جديد للجيش ، وعلى رأسها حزب القوات اللبنانية وحلفاؤه الذين يؤيدون التمديد لعون ، ويعتبرون أن لموقف باسيل من قيادة الجيش أبعادًا سياسة ، لا سيما أنه سبق ورفض تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي
ما دفع بباسيل الى توكيل الثنائي الشيعي بإختيار الاسم ، راميًا الكرة في ملعبهم ، وبات الجميع في حالة ترقب لمعرفة موقف حزب الله المتأرجح على ما يبدو بين خيارين : إما المضي بخيار التمديد بسبب الظروف الأمنية الحرجة ، وإما المضي بتوفير الغطاء لحليفه المسيحي جبران باسيل وعدم توفير نصاب الثلثين للحكومة بغية إقرار التمديد
وهذا ما اغضب رئيس حزب القوات سمير جعجع قائلاً [ في الوقت الذي تدك فيه غزة ليل نهار ويعاني الشعب الفلسطيني أسوأ معاناة ، وفي الوقت الذي يلجأ فيه حزب الله إلى أسلوب التنقيرات على الحدود الجنوبية الذي يمكن في أي لحظة من اللحظات أن يجر إلى ما لا تحمد عقباه ، وفي الوقت الذي يعاني فيه المواطن اللبناني الأمرين ، من جراء أوضاعه المعيشية الصعبة والمالية المأسوية ، وفي الوقت الذي يتخوف فيه الشعب اللبناني من فقدان العمود الأخير للإستقرار في لبنان بسبب إقحام الجيش في تجاذبات سياسية على خلفيات مصلحية ، يفعل النائب جبران باسيل المستحيل ، متخطيًا كل الخطوط الحمراء ، مطيحًا بكل المسلمات ومتجاوزًا كل الحدود الدستورية والعرفية ، بغية التخلص من العماد جوزيف عون في قيادة الجيش لاعتبارات شخصية إنتهازية بحتة”
وأضاف جعجع ان “ما يقوم به النائب باسيل في هذا السياق هو عار بحق البلد والشعب ورئاسة الجمهورية وقيادة الجيش والمسيحيين ، ويضاف هذا العار إلى سلوكه الذي يجعل منه عار السياسة اللبنانية بامتياز” ، ومع هذا التوجه الذي يقوده النائب باسيل لحسابات شخصية وأغراض مصلحية ، تسقط للمرة الألف بدعة المزايدات بحقوق المسيحيين وتضرب إحدى إمتيازات رئيس الجمهورية التي بالعرف ، بعد إتفاق الطائف ، توافق الجميع على أن يكون لرئيس الجمهورية اليد الطولى في تعيين قائد الجيش ، ومحاولة تعيين قائد جديد بغياب رئيس الجمهورية هي ضربة كبرى توجه لموقع الرئاسة الأولى ، فكم من الجرائم ترتكب بإسم حقوق المسيحيين”
فرد بدوره”التيار الوطني الحر” على بيان القوات اللبنانية “بعد ارتكابه مجددًا جريمة معلنة ومثبتة ضد الدستور والمبادئ بتقديمه اقتراح قانون بالتمديد لقائد الجيش ، يقوم سمير جعجع بعملية اعلامية مفضوحة لتغطيتها وذلك بتوجيه تهمة افتراضية ومختلقة لرئيس التيار الوطني الحر وبما يشبه الأحكام المسبقة على النوايا فيما لم يقم رئيس التيار بأي عمل ولم يعلن ما هو موافق عليه وما هو مرفوض منه
والايام الآتية ستكشف مجددًا من يصيب ويخطئ ، ومن هو المبدئي ومن العامل بالاجرة لدى الخارج بالمال والامن
[حقًا ، لقد صح في سمير جعجع القول: “ان لم تستح فاصنع ما شئت”]
بينما طرحت بعض القوى ، وعلى رأسها الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط ، رفع سن التقاعد للعاملين بالسلك الأمني والعسكري ، وهو خيار يصطدم بعقبات لأنه يحتاج تشريعًا برلمانيًا ، مقابل الحديث عن مطالبة الاشتراكي لتعيين رئيس أركان جديد للجيش (منصب يشغله درزي) مع إنجاز تعيين المجلس العسكري
وبدورها بعض القوى السنية ، اعلنت موافقتها على التمديد للعماد جوزيف عون ، لكن بشرط التمديد لمدير عام الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ، الذي يحال على التقاعد في أيار المقبل
وفي خيارات اخرى مُتاحة دستوريًا بحال عدم التوافق على اسم قائد جيش جديد ، أن ينوب رئيس الأركان عن قائد الجيش عند غيابه ويمارس مهامه وصلاحياته طيلة فترة غيابه ، وهناك سابقة لذلك سنة 1970
ولتفادي الشغور ، ثمة حلان للتمديد شرط قبول قائد الجيش به ، وفق المصدر نفسه
الحل الاول ، إصدار مجلس النواب قانونا يعدل السن القانونية لتسريح قائد الجيش
والحل الثاني ، لجوء وزير الدفاع إلى التمديد لقائد الجيش طالما أن البلاد في حالة “حرب مع العدو الاسرائيلي”
وفي حال عدم التوافق على حل يمنع الشغور ، فمن المتوقع أن يترتب على ذلك أزمة كبيرة لدى الطائفة المسيحية ، وقد يستدرج الحدث إلى مواقف حاسمة من قبل رأس الكنيسة والقوى المسيحية باستثناء جبران باسيل
ومن الجدير ذكره [ أن مرسومي القانون حول السنّ القانونية للتسريح ، لم يشملا أحكاما تتعلق بتمديد سن التقاعد ، ما يستوجب ضرورة صدور تشريع يسمح بالتمديد ، وسبق أن حصل ذلك بعهد رئيس الجمهورية الأسبق إلياس الهراوي ]
كما يُعدل وفقه سن التسريح من الخدمة العائد لرتبة عماد ، لمرة واحدة فقط ليصبح 63 بدلا من 60 سنة ، بينما تفيد المادة 55 من قانون الدفاع الوطني والتي تنص على إمكانية الذهاب إلى تأجيل التسريح بحالتين
الحالة الاولى [في وضع اعتلال لم يبت به]
الحالة الثانية [بناء على قرار وزير الدفاع المبني على اقتراح قائد الجيش في حالات الحرب أو إعلان حالة الطوارئ ، وعند عمليات حفظ الأمن] وهذه الحالة يمكن استغلالها في ظل الاوضاع الراهنة على الحدود اللبنانية الفلسطينية
هناك سوابق حصلت مع العماد جان قهوجي سنة 2013 حين مدد له وزير الدفاع فايز غصن حتى 2015 ، ثم مدد له وزير الدفاع سمير حتى أيلول 2016″
سياسيًا ، أن مضاعفات الشغور على رأس المؤسسة الأمنية العليا ، ستكون كبيرة الوقع على الطائفة المارونية ، رغم المحاولات بإستدراكها وعدم اطالة مدة الفراغ
ويترقب كثيرون مآلات السجال بين القوى المسيحية حول ما يوصف بتهديد صيغة الميثاق الوطني إذا ما وقع الشغور بقيادة الجيش ، الذي سيعني شغور في مختلف المواقع المارونية العليا من رئاسة الجمهورية ، وحاكمية المركزي وقيادة الجيش
تجدر الاشارة انه بالنسبة للاحداث الامنية على الحدود الفلسطينية ، فالجميع يعلم ان فعالية الجيش لا تلعب دورًا رئيسيًا في ظل وجود حزب الله ، لكنه بكل تأكيد صاحب رمزية عالية لانه جزء لا يتجزأ من القاعدة [ شعب ، جيش ، مقاومة ]
اذن ، بإمكاننا الاعتبار ان موقف حزب الله هو المخرج لهذا الملف نظرًا لحساباته الدقيقة راهنًا ، في حال واصل المناورة مع فريق باسيل للمضي بخيار التمديد التقني ، مع العلم ، أن خيار التمديد التقني لقائد الجيش ولمدة 6 أشهر ، مقابل التمديد للعماد عثمان بالأمن الداخلي ، يتصدر كواليس المباحثات
فضلاً عن أن تعيين قائد جديد يعد من الاحتمالات الأكثر استبعادًا “لأنه مخالف للدستور كون المرسوم يحتاج لتوقيع رئيس جمهورية وحكومة أصيلة”، ولربما هذا ما يحاول جبران باسيل استغلاله
2023-11-21