هل ستغامر إسرائيل باجتياح لبنان؟
عميرة أيسر*
يبدو بأن الجيش الصهيوني يستعد منذ أشهر لشن حرب كبيرة على لبنان، وهذه المرة باستعمال السّلاح النووي، من أجل حسمها لصالحه، لأن هذه الحرب ستكون مصيرية ووجودية بالنسبة له، فحزب الله الذي يعتبر هذه الحرب أكبر تهديد فصائلي مقاوم بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وذراع إيران الطولى في المنطقة، كما تصفه دوائر سياسية وعسكرية واستراتيجية إسرائيلية، تطورت قدراته العسكرية والاستخباراتية ومهاراته القتالية، بشكل كبير منذ حرب 2006م، إذ تشير التقديرات الإسرائيلية بأن حزب الله بات يمتلك منظومات للرصد والتحليل والتشويش الالكتروني، وأكثر من 200ألف صاروخ معظمها صواريخ حديثة ومتطورة، وقادرة على إصابة أهدافها بدقة متناهية، بالإضافة لألاف المسيرات من مختلف الأحجام والأوزان، بأنواعها المختلفة، ومنها تلك التي استعملتها في مهمات استطلاعية أو هجومية، أو حتى التصدي للطائرات الصهيونية التي باتت تتحاشي التحليق في أجواء لبنان، أو اختراق سيادته الجوية أو البحرية، كما كانت تفعل في السنوات الفارطة، ما عدّه مراقبون صهاينة فشلاً ذريعاً لإسرائيل ولمنظومتها الأمنية والاستخباراتية، فهي لم تستطع منع هذا التطور الرهيب في التسليح على مدار 17عاماً، وقال: مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرنوت يوسي يهوشع، أنه ” على الرغم من أن هناك كثيرين في الجيش الاسرائيلي يعتقدون بأن حزب الله لا يريد حرباً، فإن من الواضح للجميع أن إمكان ذلك هو الأعلى منذ حرب لبنان الثانية، والتي تصادف هذا الأسبوع الذكرى 17 عاماً على بدئهاَ. كما ذكر موقع رأي اليوم، بتاريخ 8 جويلية/ تموز 2023م، في مقال بعنوان ( اعلام إسرائيلي : تعاظم قدرة حزب الله على مدار 17 عاماً هو الاخفاق الأكبر لإسرائيل، و لم ينجح أحد في معالجته).
فالجيش الاسرائيلي الذي يعاني من نقص كبير في الذخيرة، والأسلحة القتالية على الجبهة الشمالية، وهذا ما فضحته الفيديوهات التي تظهر استعمال جنود الاحتلال الصهيوني للمنجنيقات والسهام للرد على صواريخ ومسرات حزب الله، وتمّ التعتيم عليها في الإعلام الصهيوني والغربي وحتى العربي، فقادة الجبهة الشمالية يضغطون بشدة على نتنياهو وأيزنكوت من أجل انهاء الحرب العبثية على غزة، والتفرغ بصفة كلية للجبهة الشمالية، التي تعتبر بالنسبة لهم الأهم والأخطر، خاصة بعدما نجح حزب الله وفق خطة استراتيجية محكمة في إجبار أكثر من 200ألف مستوطن، على مغادرة مساكنهم ومستوطناتهم في منطقة الجليل الأعلى، ورغم أن الحكومة الصهيونية قد عرضت على هؤلاء وأقرانهم في مستوطنات غلاف غزة مبلغ 5 آلاف دولار، من أجل العودة لبيوتهم، ولكن رفضوا ذلك بشكل قاطع، وتوجهوا عوض ذلك للعيش في المدن الفلسطينية الكبرى المحتلة، وهو ما زاد من حجم الضغوط الاقتصادية على الحكومة الصهيونية، مما أجبرها على خفض النفقات المخصصة لقطاعات عديدة كالسكن والتعليم والصحة.
بالإضافة لانخفاض الهجرة اليهودية لفلسطين المحتلة بنسبة 20 بالمئة، وذلك حسب بيانات وزارة الهجرة والاستيعاب الصهيونية والوكالة اليهودية فإن نسبة استقدام اليهود من أمريكا وأوروبا مستمرة في التراجع، ووفقاً لتقديرات المحللين فإن ذلك يعود لتصاعد التوتر الأمني، والمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية التي تسببت في مقتل 29اسراءيلياً أغلبهم من المستوطنين، بالإضافة إلى خطة حكومة نتنياهو تجاه التعديلات في الجهاز القضائي، وهذا ما جعل إسرائيل وجهة غير مرغوبة للهجرة. كما ذكر موقع الجزيرة نت، بتاريخ 24جويلية/ يوليو 2023م، في مقال بعنوان ( بنسبة 20 بالمئة، لماذا تراجعت الهجرة اليهود إلى إسرائيل).
فهذه الأرقام والإحصائيات كانت قبل طوفان الأقصى المبارك، التي جسدت وحدة السّاحات وتفاعلت معها كل قوى المقاومة في المنطقة، وبعثت برسالة قوية للقوى الغربية الداعمة لهذا الكيان اللقيط بأن هناك قرار مشترك بين مختلف فصائل المقاومة ينص على توحيد الجهود والعمل بشكل موحد من أجل تدمير وتحطيم هذا الكيان، فاستهداف غزة أو الضفة الغربية هو استهداف للحشد الشعبي في العراق و لحزب الله في لبنان، و للحوثيين في اليمن، وكذا لفصائل المقاومة في سوريا، فهذا التنسيق والجهوزية العالية المستوى عند هؤلاء، دفعت بالرئيس السّابق لجهاز الموساد الاسرائيلي حاييم تومر في مقابلة مع صحيفة إسرائيل هيوم العبرية للتحذير من الدخول في حرب شاملة مع غزة ولبنان، لأن ذلك يشكل تهديداً خطيراً. لرؤية إسرائيل الصهيونية، وأضاف بأن الدخول في عملية عسكرية بعد 8 أشهر من المعارك الضارية سيزيد بشكل كبير من الخطر على قدرة إسرائيل على مواصلة عملها كدولة، ذات اقتصاد، وكمجتمع وكلاعب دولي، فالمعلومات الاستخباراتية الموجودة لدى الصهاينة تؤكد بأن هناك عشرات الآلاف من المقاتلين القادمين من طهران وبغداد ودمشق، يتدفقون تباعاً على مراكز تدريب حزب الله في سوريا وجنوب لبنان، وبأن هناك العشرات من الضباط الإيرانيين الموجودين في غرف العمليات المشتركة لدى مختلف فصائل المقاومة التي تقاتل في جنوب لبنان، يعملون كمستشارين ويقدمون مختلف أنواع الدعم اللوجستي، لقادة المقاومة التي أصبحت معادلة صعبة في الصراع الشرق أوسطي، فالمعركة التي بدأت في غزة لن تقف عند حدودها بل ستمتد وفق كل المعطيات والمؤشرات لتشمل دولاً وساحات أخرى، ومنها لبنان التي تعتبر بمثابة خنجر مسموم في خاصرة الجيش الاسرائيلي الذي لا يستطيع الانفراد بالمقاومة في غزة والضفة الغربية، إلا بعد القضاء على المقاومة في جنوب لبنان، فحزب الله اللبناني وان كان أقوى منظمة عسكرية تقاتل الاحتلال الصهيوني في الشمال، ولكنه ليس المنظمة الوحيدة، فهناك عدة فصائل لبنانية وفلسطينية كحركة أمل و قوات الفجر التابعة للجماعة الاسلامية، بالإضافة لكتائب عز الدين القسام وسرايا القدس.
فالعدو الصهيوني على يقين تام بأن حربه على لبنان ستكون نقطة تحول مفصلية في تاريخه العسكري، وسيتأثر لسنوات قادمة على مستقبله ككيان استيطاني توسعي سرطاني في المنطقة، وستعيد توزيع مراكز. القوى الإقليمية والدولية، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تفقد نفوذها وقواتها، وتتراجع عسكرياً في الكثير من المناطق الجغرافية، والتي تركز أغلب قواتها العسكرية وأساطيلها الحربية في بحر الصين الجنوبي، لن تكون بنفس القوة والفعالية القتالية التي كانت تمتلكها في حرب العراق مثلاً، وحتى لو تدخلت لنجدة تل أبيب في إطار اتفاقيات الدفاع الأمني المشترك الموقعة بينهما، فإن هذا يعني تفعيل روسيا لاتفاقية الدفاع المشترك التي تجمعها مع ايران، وهذا يعني بداية الحرب العالمية الثالثة، التي ستكون نووية وستدمر العديد من الدول، وتجعلها غير قابلة للحياة لمئات السنين، وهذا ما لا يريده المجتمع الدولي ولا القوى العظمى التي تهدد باستخدام السلاح النووي في إطار سياسة الردع المتبادل، فإسرائيل أمام معضلة عسكرية وأمنية وسياسية غير مسبوقة، قد تنهي وجودها للأبد هذه المرة.
- كاتب جزائري
2024-07-09