هل تعترف فرنسا يوما ما بجرائمها؟
عبد الناصر بن عيسى
الأزمة الأخيرة التي عصفت بالعلاقات الجزائرية الفرنسية، لم تمر بردا وسلاما على قصر الإليزي وعلى باريس عموما، لأن الظالم في كثير من الأحيان هو من يطيح بنفسه، قبل أن يطيح به المظلوم. ولو لم يزد هتلر في خارطة توسّعه بلاد “الاتحاد السوفياتي”، ما أنهى “نازيته” بسرعة، وما انتحر حسرة من هزائمه، ولو لم يقل فرعون لقومه: “أنا ربكم الأعلى”، ما ثاروا عليه واتحدوا ضده، وانتهى أمره بالغرق.
ولو لم يرفع وزير الداخلية الفرنسي روتايو، صوت الشر الجهوري، ما رفعت الجزائر سقف التحدي، فكان احياء الذكرى الثمانين لمجزرة الثامن من ماي 1945، جلدا من دون رأفة، للاستعمار، وللذين يزعمون بأنهم مصدّرو حضارة، وأكثر من ذلك يرفضون الاعتراف والاعتذار، لطوفان الدم، الذي جرفوا به أمة بأكملها.
بكثير من الثقة، قال وزير الداخلية الجزائري، أن فرنسا ستعترف طال الأمد أم قصر بجرائمها المريعة، التي اقترفتها في حق الجزائريين على مدار قرن وثلث قرن، وبكثير من الصراحة، قال برلمانيون فرنسيون، نزلوا ضيوفا على الجزائر واطّلعوا على جزء من مجزرة الثامن من ماي، وهي جزء من مجازر ممتدة من 1830 إلى 1962 “إن فرنسا التي تزعم التحضُّر، عليها الاعتراف بأخطاء سابقة، أودت بحياة الأبرياء”. وجميلٌ أن تبقى الجزائر، فاتحة كتاب الذاكرة، لا تغلقه أبدا، إلى أن يقرأه الجميع ويعترفون بما فيه من أول مجزرة إلى آخر مجزرة.
ما قام به وزير الداخلية الفرنسي، روتايو وطائفته المتطرفة، في الأيام الأخيرة، كان “نبشا” في عش الدبور، والفرنسيون يحفظون المثل الذي ينصحهم أن لا يقذفوا غيرهم بالحجارة، إذا كانت بيوتهم من زجاج، وفرنسا هي آخر البلدان التي يمكنها أن تُنظّر عن حقوق الإنسان والحرية والديموقراطية، أو الافتخار بتاريخها “الأخلاقي”، فكلما نطق روتايو ظلم فرنسا، وكلما زعم الدفاع عنها، كشف عيوبها، وما قام به روتايو على مدار أسابيع، جرفته ذكرى الثامن من ماي.
تجريم الاستعمار وتذكيره مع سبق إصرار وإلحاح، بما اقترفه في حق الجزائريين، هو حربٌ مضادة لنصرة الذاكرة، لن تكون لها نهاية سوى الانتصار، بالاعتراف، طال الأمد أم ازداد طولا، فكل المجرمين بما فيهم الطغاة، اعترفوا بجرائمهم وعادوا إلى رشدهم ولو في آخر عمرهم، أو كما حدث لفرعون الزمن الغابر: “حتى إذا أدركه الغرق قال آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين”.
لأجل ذلك سيأتي يومٌ ما، وتعترف فرنسا بجرائمها وهي راضية.. أو غير راضية.
2025-05-10