هل تركيا رغم ما ترمي اليه من وفاق لم تعد ملاذاً آمناً!
رنا علوان
ألقت الحرب الروسية في أوكرانيا بظلالها على العالم وأثرت على دول عديدة ، بيد أن الحرب كانت فرصة دبلوماسية للحكومة التركية
فمع الأيام الأولى من بدء الغزو الروسي ، ظهرت أنقرة بمثابة وسيط بين طرفي النزاع ، لا يمكن الاستغناء عنه
ففي الوقت الذي لم تكن فيه الدول الغربية على قدر كبير من الحماس للتحدث مع روسيا ، كانت علاقات انقرة جيدة مع كل من موسكو وكييف ، وهو ما يعد بالأمر النادر في الوقت الراهن
وقد بدأت تركيا بالوساطة لحل مشاكل رئيسية نجمت عن الحرب مثل أزمة تصدير الحبوب الأوكرانية من موانئ البلاد خاصة وأن أوكرانيا كانت قبل الحرب من كبار مصدري القمح والذرة والشعير وزيت عباد الشمس في العالم
وقد تم توقيع اتفاقية استئناف تصدير الحبوب الأوكرانية بين روسيا وأوكرانيا بوساطة تركيا والأمم المتحدة في يوليو/ تموز في إسطنبول
ولا يختصر الأمر على ذلك ، بل قد توفر تركيا المكان الأمثل والأكثر منطقية لاستضافة أي مباحثات سلام بين روسيا وأوكرانيا مستقبلا
مؤخراً جرى عقد مفوضات ترمي الى صلح تام بين تركيا وسوريا حتى اسماها البعض ب ( التطبيع التركي السوري )
وقرأ مراقبون هذه التحركات أنها ستفرض متغيرات جديدة لاحقا ، لاسيما أنها ترتبط في معظمها بتحركات أحزاب المعارضة من جهة و”العدالة والتنمية” الحاكم وحليفه “الحركة القومية” من جهة أخرى ، استعدادا للاستحقاق الذي ينتظره الكثيرون
وكانت حدة التصريحات والمواقف الصادرة من مسؤولين ورؤساء أحزاب قد تصاعدت نهار الثلاثاء المنصرم بخصوص السوريين على نحو لافت ، ولم يسبق وأن تمت ملاحظتها بهذا الشكل
وتردد اسم السوريين على لسان كل من الرئيس التركي ، رجب طيب إردوغان وزعيم “حزب الشعب الجمهوري”، كمال كلشدار أوغلو وزعيم “حزب الحركة القومية”، دولت باهشتلي
إضافة إلى وزير الداخلية سليمان صويلو وزعيم “حزب المستقبل”، أحمد داوود أوغلو وزعيم “حزب النصر”، أوميت أوزداغ
وقد اوضح البعض إزاء ذلك ، ان “ما حصل ينزع أي شعور بالاستقرار ( نسبة كبيرة من السوريين هنا وخاصة أصحاب الكمالك (بطاقات الحماية المؤقتة) لم تعد تخطط لشيء في المستقبل
يترقبون بقلق ما تخبئه الأشهر المقبلة، والمتبقية لموعد تنظيم الانتخابات الرئاسية”
وقبل يومين علّق “حزب الشعب الجمهوري” على مبناه في أنقرة لافتة حملت عنوان “إما أن تقدم جوابا أو تقدم حسابا”
واحتوت اللافتة أربعة أسئلة
“هل طلبتم من اللاجئين إثبات معلومات هويتهم الحقيقية؟
ولماذا توزعون الجنسية عليهم ولأي شيء تستعدون؟
وهل تقومون بعمل مسح أمني عند منح الجنسية للاجئين؟
ولماذا تسمحون بعبور غير نظامي للاجئين بظل معرفتكم من الحدود؟”
وقد غرد زعيم الحزب ، كمال كلشدار أوغلو عبر “تويتر” نهار الثلاثاء “لا زلت أنتظر من القصر وشركائه أجوبة قلت سابقا وأقولها الآن مسألة اللاجئين في حكمنا سيتم حلها خلال عامين”
وذلك ما دفع زعيم “الحركة القومية” دولت باهشتلي للتصريح برد ، أثار جزء منه مخاوف سوريين كونه خرج من لسان الحليف الرئيسي لإردوغان
وقال باهشتلي “لا داعي لعودة اللاجئين السوريين الذين يذهبون لقضاء إجازة العيد في سوريا”
مضيفا “هدفنا الأساسي هو توديع اللاجئين السوريين ، بعد القضاء على الظروف القاسية التي دفعتهم إلى المغادرة ، والانفصال عن بلادهم”
وكان من المقرر أن يُسمح لشريحة معينة من السوريين في تركيا بالدخول إلى سوريا ، ضمن ما يعرف بـ”إجازات عيد الفطر”
لكن الأمر سادت حوله الكثير من الإشكاليات في الساعات الماضية
وهذه الإشكاليات اتضحت بعد التحذير الذي أطلقه باهشتلي ، ومن ثم عقب تصريحات فورية لوزير الداخلية التركي ، سليمان صويلو ، حيث تحدث عن وجود قيود بعدم السماح للسوريين بالذهاب إلى بلادهم لقضاء عطلة العيد
قال الرئيس السوري بشار الأسد يوم الخميس ، إن التقارب مع تركيا بوساطة روسيا يجب أن يهدف إلى “إنهاء احتلال” أنقرة لأجزاء من سوريا
وهذا أول تعليق للأسد ، في بيان صادر عن مكتبه ، حول اجتماعات بين مسؤولين من دمشق وأنقرة ، بعد أكثر من عقد من العداء بين البلدين خلال الحرب الأهلية في سوريا
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ، عقب اجتماع وزيري الدفاع ، إنه سيلتقي مع نظيريه السوري والروسي ، وأكد يوم الخميس أن الاجتماع سيعقد في موسكو
من جهتها روسيا ، فقد أشار لافرنتييف إلى أنّ روسيا تقدّر مواقف سوريا البنّاءة منذ بداية العملية العسكرية في أوكرانيا ، موضحاً أنّ “هناك الآن كثيراً من دول العالم ، التي باتت تؤمن بنصر روسيا”
وأكد الدبلوماسي الروسي أنه “على الرغم من الضغوط الكبيرة التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها ، فإن واشنطن فشلت في عزل روسيا وسوريا”
وشدّد لافرنتييف على ضرورة “استثمار التطورات المتسارعة في العالم” ، مشيراً إلى أنّ بلاده “تقيّم إيجاباً اللقاء الثلاثي ، الذي جمع وزراء دفاع سوريا وتركيا وروسيا” ، وترى أهمية متابعة هذه اللقاءات وتطويرها على مستوى وزراء الخارجية
وكان مصطلح “البنّاء” و”الإيجابي” الخاص بجو اللقاء في موسكو قد أثار اهتمام مراقبين ، ولاسيما أن ما حصل هو أول لقاء وزاري حصل على العلن منذ 11 عاما
ويرى الجانب التركي ، أنه من الطبيعي استخدام هاتين الكلمتين ، “بعد أكثر من عقد من الزمن ، منذ اجتماع رفيع المستوى بين المسؤولين الأتراك والسوريين”
من جانب آخر وبينما يبدو على الورق أن مصالح تركيا وسوريا تتقاطع في بعض المناطق ، إلا أن غياب الحوار كان عقبة أمام المضي قدما
ولقد “كان هذا الاجتماع بالتأكيد خطوة أولى جيدة نحو استكشاف المجالات التي يمكن أن يكون فيها تنسيق لتعزيز المصالح المشتركة وفهم مخاوف كل جانب”
ومن المرجح أن يستغرق الأمر مزيدا من الحوار قبل أن نرى النتائج التي يمكن أن نشير إليها على أنها “اتفاقية” بين الجانبين
ومع ذلك يشير البعض إلى أن “المناخ الجيوسياسي في المنطقة الأوسع والإرادة السياسية في موسكو وأنقرة ودمشق تساعد على تعزيز الدبلوماسية وربما التوصل إلى اتفاقيات بناء الثقة”
في المقابل اعتبر محللو وقُراء السياسية ، أن “الكلام الخاص بالبناء والإيجابي جاء من عدة نقاط ، أولها التأكيد على محاربة جميع الفصائل الإرهابية ، وثانيا أن ما حصل لم يأت من فراغ بل بعد لقاءات أمنية ماراثونية”
ختاماً ، ان ما يحصل من لقاءات وما سينتج عنها ، بالتأكيد لن يعجب الغرب المُترقب وعلى وجه الخصوص اميركا ، لذلك يتوقع البعض حدوث اعمال تخريبية ( مُعلق عليها الامال ) للحؤول دون اي توافق او لإفشال ذلك قدر المستطاع
2023-01-13