ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» «الإسرائيلية» أنه «عقب يومين من التوصل إلى اتفاق بين القوى العالمية وإيران في شأن برنامج طهران النووي، تنتظر مؤسسة الدفاع الإسرائيلية زيادة المساعدات العسكرية الأميركية إلى إسرائيل في غضون الأعوام المقبلة».
وأوضحت الصحيفة في تقرير أنّ «مسؤولي الجيش الإسرائيلي يعتقدون أنه ستتمّ زيادة حزمة المساعدات العسكرية، مثل إدراج سرب إضافي من طائرات «أف 35» المقاتلة، وتقديم تمويل إضافي لتطوير منظومة الدفاع، وإعادة تخزين الذخائر التي يحتاج الجيش الإسرائيلي إليها بشدة بعد مرور عام على عملية الجرف الصامد في غزة».
– شرح بنيامين نتنياهو في قراءة تحليلية موقفه من التفاهم النووي مع إيران رداً على الكلام الذي قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما حول التزام أميركا بمقتضيات الأمن «الإسرائيلي»، مؤكداً عدم تشكيكه بصدق الرئيس الأميركي ويقينه بصدق التزام أميركا مع «إسرائيل»، فاتحاً الباب لبحث هو الأول من نوعه في تاريخ العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية»، فالقضية وفقاً لنتنياهو ليست الرغبة الأميركية وصدقيتها، بل تناقض المصالح الوجودية الذي بدأ ينشأ بين أميركا ومعها دول الغرب من جهة و«إسرائيل» من جهة أخرى، وما يرتبط بذلك من تصادم في الأولويات على رغم التمسك المتبادل بالتحالف وبالترابط العضوي لأمن كلّ طرف بالآخر.
– تقوم نظرية نتنياهو على تعميق المعادلة التي رسمها أمام الكونغرس الأميركي، عن التفاهم النووي، الذي يتعامل معه الأميركيون والغرب عموماً من منطلق الخوف على أمنه، بينما تتعامل معه «إسرائيل» من منطلق القلق على وجودها، وهذه المعادلة التي يخوض نتنياهو بتفاصيلها للمرة الأولى بوضوح كان يغيّبها سابقاً التركيز المبالغ والمفتعل على عيوب الاتفاق في القدرة على منع إيران من امتلاك قنبلة نووية، وهي استراتيجية نجحت إيران باكتشافها واكتشاف خطورة تمكين «إسرائيل» من خوض حربها على القرار الغربي تحت لوائها، فقرّرت تقديم كلّ التطمينات اللازمة التي تتيح للرئيس باراك أوباما وكلّ مسؤول غربي متعاطف مع «إسرائيل» مثل فرنسوا هولاند، أن يقول بقوة الواثق إنّ التفاهم يتضمّن كلّ ما يلزم كي لا تمتلك إيران قنبلة نووية، فاكتشف نتنياهو غباء استراتيجيته وسقوطها في الفخ الإيراني وكشف أخيراً معادلته الذهبية لكن بعد فوات الأوان.
– معادلة نتنياهو هي أنّ النظر إلى التفاهم النووي لا يطاول بالنسبة لـ«إسرائيل» درجة الدقة والضمانات التي يتضمّنها في بنوده التقنية والقانونية لمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية، بينما هذا هو محور اهتمام الغرب، وفي المقابل يطاول الاهتمام «الإسرائيلي» الشق المعتم في اهتمامات الغرب، وهو كم ستنال إيران بموجب هذا الاتفاق من ميزات مادية ومعنوية وقانونية مقابل التزامها النووي وهي لا تزال تتمسك بعداء وجودي لبقاء «إسرائيل» وتبنّ عضوي لقوى المقاومة.
فالنظرة «الإسرائيلية» إلى الشرق الأوسط تختزلها نظرتها إلى إيران التي تمكنت خلال ثلاثة عقود ونصف العقد من بناء منظومة مواجهة استراتيجية صارت تهديداً وجودياً لـ«إسرائيل»، وإيران تحت نظام الحصار والعقوبات وخطر الحرب، فكيف ستتطوّر هذه المنظومة بعدما تمتلئ الخزائن الإيرانية مالاً وتنتعش اقتصاداً ويُزال عنها سيف الحظر والتهديد وتعامَل كقوة قانونية محترمة تعمل تحت القانون وفي قلب المجتمع الدولي؟ يثق نتنياهو أنّ التهديد الوجودي لـ«إسرائيل» يقترب ويزداد، وأنّ الغرب لم يعد يضع مستقبل «إسرائيل» ضمن خطوطه الحمراء، إما لافتراق المصالح أو للعجز وكليهما كارثة تاريخية، وأنّ على «إسرائيل» ألا تخسر تحالفها مع الغرب، خصوصاً أميركا، وأن ترتضي حدود الالتزام الغربي والأميركي خصوصاً بأمنها، لكن عليها أن تتصرّف منذ الآن وصاعداً أنّ ساعتها تقترب وأنّ عليها مواجهتها منفردة.
– يبدو أنّ الإنجاز الأهمّ للمفاوضات المتصلة بالتفاهم النووي، ليس ما شاهدناه بل كما سنشاهده، فقد نجح للمرة الأولى فريق من خندق المواجهة مع «إسرائيل» بالحفر ببطء وأناة للوصول إلى تفخيخ المستقبل الاستراتيجي للعلاقات «الإسرائيلية» بالغرب، عبر صناعة مسارين مختلفين لمصالح كلّ منهما، بالتالي توفير شروط واضحة لمواصلة مسار المواجهة مع «إسرائيل» من مواقع أقوى وبقدرات أعلى، ومن ضمن منظومة سياسية في قلبها يقع تفاهم مع الغرب، ومعرفة مسبقة من الغرب بكلّ توجهات إيران، على قاعدة أننا مختلفون ولن نربط تفاهمنا المحدّد بالأمن الاستراتيجي ومحوره الملف النووي، بالتفاهم المستحيل على معاني البيئة الآمنة التي ترونها بضمان أمن «إسرائيل» تشريع بقائها ونراها بمقاومتها وصولاً إلى زوالها.
– «إيرانيوم» معادلة جديدة قوامها الذي سيتكشّف من جديد كلّ يوم أن «إسرائيل» تحوّلت من قيمة مضافة في حسابات الغرب على الصعيد الاستراتيجي إلى عبء استراتيجي بفعل الحروب الخاسرة التي خاضتها في وجه المقاومة المدعومة من إيران، وتتحوّل تدريجاً إلى نفايات استراتيجية بفعل التفاهم النووي مع إيران.
– ارتكبت «إسرائيل» خطأ استراتيجياً عندما جعلت عنوان حملتها ضدّ إيران ملفها النووي وجعلت منعها من امتلاك فرص تقنية موازية لامتلاك قنبلة نووية عنوان الأمن الاستراتيجي لـ«إسرائيل»، وسار الغرب وراءها عملياً، ولو فعلت ما تفعله اليوم مبكراً، لوضعت الغرب والرأي العام فيه أمام مأزق استراتيجي بالاختيار الصعب، الذي هوّنته «إسرائيل» بغباء حساباتها، وتوّجته إيران بذكاء حساباتها. وصار اليوم، حال «إسرائيل» لات ساعة مندم، كان يجب أن تقول «إسرائيل» من البداية إنّ إيران ولو امتلكت قنبلة نووية وبقيت محاصرة وتحت العقوبات بسبب موقفها من «إسرائيل»، تعني تمسكاً غربياً لا فكاك فيه بأمن «إسرائيل» ووجودها، ورسالة مواجهة مفتوحة مع إيران من موقع الدفاع عن وجود «إسرائيل»، أفضل ألف مرة من إيران ممتنعة عن امتلاك سلاح نووي وتحت رقابة مشدّدة وضمانات عدم التحوّل إلى برنامج نووي عسكري، مقترن برفع العقوبات ومنح إيران الأموال المجمّدة وإدخالها عضواً شرعياً في السوق الدولية وفي المجتمع الدولي، بينما هي تجاهر بنيّتها إزالة «إسرائيل» من الوجود، لكن «إسرائيل» لم تفعل ذلك ودخلت في تفاصيل التفاصيل في الملف النووي الإيراني، وتصرّفت إيران في المقابل بذكاء تفاوضي واستراتيجي، فسهّلت لـ«إسرائيل» هذا الكمين، ولما وصل الغرب تحت الضغط «الإسرائيلي» لطلب ضمانات متشدّدة وفرض شروط قاسية للتحقق من غياب البرنامج العسكري وعرض مقابلها ما تريده إيران من الفصل بين الملف النووي والملفات الإقليمية وفي مقدّمها الموقف الإيراني من «إسرائيل» من جهة، وإلغاء العقوبات وفتح الأبواب السياسية والديبلوماسية والاقتصادية أمام إيران من جهة أخرى، تصرّفت إيران بحنكة أتاحت لها وهي تمنح الغرب الأمان الذي يسمح له بالردّ على الحجج «الإسرائيلية»، أن تحصل على ما تريد فتحتفظ بخطابها الجذري العدائي لـ«إسرائيل» وتنال المكافأة، بينما بلغت من برنامجها النووي ما تريد، فها هي اليوم تمتلك كامل الدورة التقنية اللازمة للتحوّل العسكري ساعة تقرّر ولا ينقصها إلا القرار.
– صيرورة ما بعد التفاهم، طبيعياً ستكون المزيد من القلق «الإسرائيلي» الوجودي، أمام تنامي منظومة العداء التي تقودها إيران في وجه بقاء «إسرائيل»، وحيادية الغرب الذي سيتسابق على نيل جوائز الاقتصاد الإيراني القادر على استيعاب استثمارات تقدّر بترليون دولار لعشر سنوات مقبلة، وتسابق ساسة الغرب على ربط مبرّرات التفاهمات اللاحقة مع إيران بالشراكات الاقتصادية الضخمة لاقتصادات يقتلها الركود من جهة، والتعاون الواسع النطاق والفعّال في وجه الإرهاب الذي يدق أبواب الغرب من جهة مقابلة، وفي هذين الاستقطابين الحاكمين على مستوى الغرب اقتصادياً وأمنياً ستكون إيران تحت طلب شديد لما لديها من فرص، وستكون «إسرائيل» في حال عرض وكساد تطلب المزيد من المعونات الاقتصادية والمزيد من الالتزامات العسكرية والأمنية والتسليحية، وتزداد المقاومة قوة ونمواً وتزداد «إسرائيل» عزلة.
وكلما زاد مجتمع الغيتو عزلة زاد تطرّفاً وصار قبوله بالتسويات أعقد وأصعب فزاد مبرّر تصاعد المقاومة، وصولاً إلى انفجار في قلب الأراضي المحتلة لا تنفع في مواجهته منظومات الحماية التي يتعهّدها الغرب لـ«إسرائيل»، بينما تنفع كثيراً منظومات الدعم الإيراني للمقاومة، حتى تقع المواجهة الفاصلة.